بيونغ يانغ و«البينغ بونغ» الدولي
في مقالة منشورة في العدد 293 من جريدة قاسيون بتاريخ 15/2/2007 تحت عنوان «بيونغ يانغ ولغز كسب الوقت» تساءلت الصحيفة في حينه عن معنى قبول بيونغ يانغ بتفكيك مفاعلها النووي آنذاك بالشكل التالي:
«لكن ربما يكون السؤال الأبرز هو لماذا مع اقتراب العدوان على إيران تعقد بيونغ يانغ هذه التسوية لتظهر كأنها خطوة استراتيجية تراجعية؟ بعض معالم الجواب ربما تحتاج لمنظور آخر يضع المسألة في إطارها الأوسع. وبهذا المعنى فإن بيونغ يانغ عادت إلى لعبة تمرير الكرات مع طهران ومع المؤسسة العسكرية الروسية ذات الاتجاهات الوطنية... ».
رأت المقالة ذاتها آنذاك أنه: «وذلك من أجل إيحاء البيت الأبيض أنه انتهى أو يكاد من المسألة الكورية النووية، فتلتقط بيونغ يانغ بعضاً من أنفاسها. أي أن هذه الجبهة غير المعلنة المناهضة لواشنطن تريد تشتيت الضربة الأمريكية والعودة لاحقاً إلى حالة الفرز الحقيقي للقوى على المستويين الإقليمي والدولي في إطار صراع كوني مع مشروع الهيمنة الأمريكية».
مما سبق نستطيع الحديث عن كتل تاريخية كانت في بداية الألفية الجديدة تعيد بلورة ذاتها تدريجياً في إطار الصراع الدولي، وهي قطب الإمبريالية الغربية والأمريكية من جهة، في مقابل عدد من القوى المناهضة والمقاومة لها على الصعيد العالمي، وهي الكتلة التي أخذت بالتبلور كحلفاء استراتيجيين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ككوريا الديمقراطية وإيران وكوبا وسورية ومعها حركات المقاومة في المنطقة، إضافة للصين وروسيا بمؤسستها العسكرية الروسية ذات الطابع الوطني.
يظهر هذا التحالف اليوم بشكل واضح المعالم مع اشتداد الصراع الدولي حول سورية وبالطريقة ذاتها الموصفة سابقاً، أي طريقة تقاذف الكرات بين الملعبين. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الهجمة الأمريكية على القطب المذكور آنفاً من الواجهة السورية ومع محاولة الولايات المتحدة تكريس الحل الدموي والفوضوي على البلاد من خلال تعطيلها الحل السياسي السوري، إضافة إلى تتنفيذ مخططاتها في نشر الدرع الصاروخي في الأراضي التركية مستغلة ذريعة الأزمة السورية، كان لابد من رد حازم من المحور المعادي للغرب وهو ماحدث فعلاً.
بات واضحاً أن ماقامت به كوريا الديمقراطية من تفكيك لمفاعلها النووي آنذاك بالتوازي مع الضغط الأمريكي على الملف النووي الإيراني وتهديدها بالحرب المباشرة سمح بتخفيف الضغط على هذا المحور حينها، حيث تحملت إيران مزيداً من الضغط عليها مقابل التخفيف عن كوريا مما سمح للأخيرة بقطع شوطٍ هامٍ في قوتها النووية. مالبثت كوريا طبعاً حتى عادت لتتقدم ببرنامجها النووي معلنة عن تجربتها النووية الثانية في شباط الماضي ومتحدثة عن احتمال تجربة ثالثة خلافاً لما كان يتوقع البعض في 2009 بأن كوريا استسلمت لشروط البيت الأبيض، وهو ماسمح عملياً بإعادة الضغط على المحور الأمريكي كي يقطع باقي حلفاء كوريا شوطاً للتقدم نحو الأمام.
يضغط اليوم المحور الأمريكي على سورية مستهدفاً تفجيرها للوصول إلى ضرب إيران والمنطقة، ومع إعاقة الحل السياسي رغم الاتفاق الأمريكي- الروسي الأولي عليه، تدور لعبة «بينغ بونغ» جديدة على مسرح آخر، وتحديداً في أكبر مركز إمبريالي تابع للغرب في منطقة شرق آسيا، أي (كوريا الجنوبية واليابان)، حيث لاتزال هذه البقعة الآسيوية تخدم النمو الاقتصادي لقطب الرأسمالية العالمية الغارقة في الركود في المركزين الأوربي والأمريكي من جهة والترهل السياسي على مستوى العالم من جهة أخرى، ناهيك عن الانتشار العسكري الضخم للقوات الأمريكية لتصبح بشكل جدي وغير مسبوق بخطورته في مرمى نيران بيونغ يانغ.