الاستحقاق الانتخابي المصري.. الخيارات الجذرية مؤجلة!
على أبواب فتح باب الحملات الانتخابية المصرية، تظهر إلى العلن الخطوط العامة لبرامج المرشحين، والبارز منهم خصوصاً المشير عبد الفتاح السيسي، ومؤسس «التيار الشعبي» حمدين صباحي..
عرض وزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي، في متن برنامجه الانتخابي، الجانب الاقتصادي – الاجتماعي، كأولوية في المرحلة القادمة، إلى جانب مكافحة الإرهاب. ما يشير إلى فهم جدي لجزء من القوى السياسية المصرية لحجم المخاطر التي يحملها تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعانيها البلاد، وهو ما دفع السيسي إلى تبني الملف علناً، كضرورة تحفظ مصر من إمكانيات الفوضى الداخلية.
لكن مع وصول التناقضات الاقتصادية الاجتماعية إلى مستويات عالية، واستمرار تغييب دور الدولة الاقتصادي عن مهامها لأكثر من أربعة عقود، بات البرنامج المطلوب أكثر عمقاً وجذرية، يتطلب تكامل قضايا أساسية لم يعد من الممكن فصلها عن بعضها، وتحديداً ربط القضية الوطنية (والحديث هنا عن الموقف من اتفاقية «كامب ديفيد»)، مع القضايا الاقتصادية – الاجتماعية، والموقف من توزيع الثروة بين الأثرياء والفقراء، بالسؤال: «لمن الانحياز؟».
فتضمن برنامج السيسي «العودة بالطبقة المتوسطة إلى حجمها الطبيعي»، و«وضع منظومة واضحة ومتكاملة للعلاقات الخارجية المصرية، تنبثق من الرؤية المستقبلية ودور مصر في الحفاظ على أمنها القومي، في مختلف أبعاده الإقليمية، وكذلك أمنها في ضوء الموقف الدولي وتطوراته«، هذه الخطوط العامة في رؤية الوزير السابق لضرورات المرحلة لم تمس بشكل مباشر القضيتين الأساسيتين آنفتي الذكر «كامب ديفيد – توزيع الثروة» المطلوبتين لبدء حالة فك الأزمة المستعصية داخلياً.
طرح حمدين صباحي الموقف من الاتفاقيات الدولية، دون ذكر اتفاقية بعينها، ملقياً المهمة على عاتق الشعب المصري في صنع قراره الوطني. ومما جاء في برنامجه الانتخابي حول القضية الوطنية:
«فيما يتعلق بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، فهي محل التزام واحترام في إطار ما تقرره مؤسسات الدولة المنتخبة ديمقراطياً، وما يقرره الشعب المصري في استفتاء شعبي على أي من المعاهدات التي قد تحتاج مراجعات، بما يحافظ على مصالح مصر، ويصون حقوقها ويضمن استقلالها».
يبدو أن القوى السياسية المصرية الأبرز لم تستطع صياغة برامج مترابطة وجذرية «اقتصادياً-وطنياً» على الأقل في المرحلة الحالية، ويعود ذلك ربما لواقع شدة العلاقات الاقتصادية المصرية مع الغرب الناتجة عن اتفاقية كامب ديفيد من جهة، ومن جهة أخرى لأن البرامج المعلنة حتى اللحظة هي إصلاحية في أبعادها الاقتصادية وليست جذرية كفاية لتوائم الحاجات المصرية. تعيدنا هذه الوقائع إلى حالة عبد الناصر الذي تدرج في خياراته الاقتصادية من إصلاحية إلى ثورية بالضرورة. فمن بناء السد العالي بأموال أمريكية والتي فرضت شروطاً محددة تمس سيادة مصر مما دفعه إلى رفضها، ومن ثم تبني خيار التمويل السوفييتي للسد وتغيير برنامجه إلى التحول الاشتراكي الأكثر جذرية..
إن تبني أي نموذج اقتصادي منحاز للشعب، يتلازم حتماً مع موقف وطني جذري اتجاه الغرب الاستعماري، وقاعدته المتقدمة في المنطقة «الكيان الصهيوني»، وعلى أساس ترابط القضيتين الأساسيتين، فإن أي برنامج انتخابي مقدم حالياً، لن يستمر حينما يصطدم بالتطبيق، أو سيتجذر أكثر.