ستالينغراد في عيون أعدائها
كريم منصور كريم منصور

ستالينغراد في عيون أعدائها

حتى في أكثر معاقل العداء لستالين وللإتحاد السوفياتي، يطغى وهج معركة ستالينغراد على كل الأحقاد، القديمة منها والجديدة، ويذكر التاريخ بفضل أبطال الجيش الأحمر وعمال الإتحاد السوفياتي وفلاحيه وقادته.

المسلحين بالإرادة والثورة وقيم الوطنية البسيطة والعميقة، الرافضة للاحتلال والطغيان، الذين قاوموا النازية والفاشية وحطموا أحد أكثر أركان الرأسمالية إجراماً ودموية وانقذوا العالم منها..

هذه المرة لن نستذكر معركة ستالينغراد المجيدة على لسان أبنائها وورثتها، فهؤلاء ظلوا على عهدهم مؤمنين بقيمها وبإرثها التحرري العظيم، قابضين على إيمانهم كالجمر في عهد تغول الإمبريالية العالمية وطغيانها. هذه المرة سنأخذ شهادة أعداء ستالينغراد عنها الذين بدأوا يفقدون إيمانهم بالنظام الرأسمالي بعدما باتت تناقضاته تفقأ العين، فما عادوا قادرين على إخفاء الشمس خلف غربال..

فيما يلي مقتطفات من مقالة بعنوان « نحن مدينون لستالين غراد» للكاتب جي برادفورد ديلونغ أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وكان نائب مساعد وزير خزانة الولايات المتحدة أثناء إدارة كلينتون، المنشورة في موقع project-syndicate.org، يقر بها الكاتب الليبرالي بعظمة هذا الإنجاز التاريخي.

يقول الكاتب: « قبل سبعين عاما، عَبَر 200 ألف جندي سوفييتي ــ الغالبية الساحقة منهم من الذكور الروس ــ نهر الفولجا باتجاه مدينة ستالينجراد. كان هؤلاء أفراد الجيش الثاني والستين تحت قيادة فاسيلي تشويكوف، الذين أمسكوا بخناق الجيش النازي ولم يفلتوه. وظل هؤلاء الجنود يحاربون طيلة خمسة أشهر. وربما توفي أكثر من 80 % منهم تحت أطلال المدينة. في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول ــ وكان يوماً عاديا ــ سجل تشويكوف في يوميات المعركة أن الفوج 416 أرسل رسالة في الساعة الثانية عشرة وعشرين دقيقة ظهرا: «لقد حوصرنا، ولدينا ذخيرة ومياه، وسنموت قبل أن نستسلم». ثم في الساعة الرابعة وخمس وثلاثين دقيقة عصراً أبلغ المقدم أوستينوف سلاح المدفعية بإحداثيات مقر قيادته المحاصر لقصفه. ولكنهم صمدوا...».

ثم يكمل الكاتب: «قبل سبعين عاماً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني ــ في التاسع عشر من نوفمبر على وجه الدقة ــ تم نقل المليون جندي الاحتياطي من الجيش الأحمر إلى الجبهة الجنوبية تحت قيادة الجنرال نيكولاي فاتوتين، وجبهة الدون تحت قيادة المشير كونستانتين روكوسوفسكي، وجبهة ستالينجراد تحت قيادة المشير أندري يريمينكو. وانهمك الجميع في نصب فخ العملية أورانوس، الاسم الحركي الذي أطلع على عملية تطويق وإبادة الجيش السادس الألماني وجيش الدبابات الرابع. وكان من المفترض أن يقاتل الجنود ويموت منهم من يموت ثم في النهاية ينتصرون وبالتالي يدمرون أي أمل للنازي في السيطرة على أوراسيا ولو لعام واحد آخر ــ ناهيك عن إقامة رايخ هتلر الذي أراد له أن يدوم ألف عام...».

ثم يقول: « ومعا، نجح جنود الجيش الأحمر الذين بلغ عددهم 1,2 مليون جندي، والعمال الذين سلحوهم، والفلاحون الذين أطعموهم، في تحويل معركة ستالينجراد إلى المعركة التي أحدثت، من بين كل المعارك في التاريخ البشري، الفارق الإيجابي الأعظم على الإطلاق بالنسبة للإنسانية..».

«..لعل النصر في الحرب العالمية الثانية كان ليصبح من نصيب الحلفاء في نهاية المطاف حتى ولو تمكن النازيون من غزو ستالنيجراد، وإعادة توزيع قواتهم التي كانت على هيئة رأس حربة بحيث تصبح قوات احتياطية متحركة، وبالتالي حرمان الجيش الأحمر من 90 % من وقود مركباته. ولكن أي نصر للحلفاء كان ليتطلب استخدام الأسلحة النووية على نطاق واسع، وكانت حصيلة الخسائر في الأرواح في أوروبا لترتفع في أغلب الظن إلى ضعف حصيلة الحرب العالمية الثانية الفعلية من الوفيات والتي ربما بلغت أربعين مليون إنسان...».

«..نحن ورثة إنجازاتهم. ونحن مدينون لهم، ولا يمكننا أن نرد إليهم هذا الدين. ولا نملك إلا أن نتذكرهم..».