سلطة رام الله المحتلة..وحوار الهراوات !
لم تستطع التحضيرات التي سبقت الزيارة الموعودة للنائب الأول لرئيس حكومة العدو الصهيوني، زعيم حزب كاديما «شاؤول موفاز» والتي أفضت لتحديد الأول من تموز/يوليو الحالي كموعد للزيارة، التي حملت عنواناً لها «بناء الثقة»، أن تنجز عقد اللقاء في رام الله المحتلة، بسبب الضغط الشعبي الفلسطيني، الذي نزل إلى الشوارع بناءً على دعوات وجهتها مجموعة «فلسطينيون من أجل الكرامة» تعبيراً عن الاحتجاج على الزيارة المحتملة، وانطلاقاً من برنامج سياسي جذري، تضمنه البيان الصادر عن المجموعة.
لكن سلطة المقاطعة كان لها أكثر من رأي في طلب التأجيل!. نمر حماد المستشار السياسي لعباس صرح ل (د. ب. أ) إن لقاء الأخير مع موفاز تأجل عقده في مدينة رام الله بسبب المواعيد الرسمية لعباس وانشغالاته السياسية. لكن مصدراً فلسطينياً آخر قال ل (د .ب .أ) إن الغضب الشعبي وتخوف السلطة من اتساع رقعة الاحتجاج الشعبي ضد اللقاء دفع قيادة السلطة إلى طلب تأجيله. «واصل أبو يوسف» عضو اللجنة التنفيذية «المعينة» للمنظمة أوضح أن «تأجل إلى أجل غير مسمى بحكم أن موفاز لن يحمل شيئاً جديداً أو خطة سياسية». هكذا إذن، تم اكتشاف «المواعيد الرسمية الضاغطة على الرئيس، والحقيبة الفارغة التي سيحملها موفاز» ... هل يحتاج هذا التبرير لتعليق؟!
حراك أبناء الشعب الفلسطيني في رام الله المحتلة لم يكن وليد اللحظة السياسية فقط - رغم خصوصيتها - لكنه الصاعق الذي فجّر بركان الغضب. لم تخطىء عين أي مراقب، متابع، منغمس بالحراك الذي تشهده العديد من المدن والبلدات في الوطن المحتل، من استشعار الأحداث. على مدى أشهر عديدة، يتداول مناضلون ومناضلات وثائق ودراسات، تعالج أزمة المشروع التحرري لشعبنا، لتتوصل من خلال قراءات نقدية واسعة ومعمقة، تنطلق من قلب التفاعلات، إلى ضرورة القطع الكامل مع نهج أوسلو الكارثي ومع الأشكال البائسة والمهينة التي أفرزها «المفاوضات، التنسيق الأمني». كما عبّروا عن نقدهم المباشر للعديد من الأدوات والأشكال والأطر التنظيمية- السياسية التي فقدت دورها الثوري في تطوير أشكال الكفاح، وتفعيل المواجهات مع العدو الصهيوني من خلال إدامة الاشتباك معه. من أجل ذلك عمد الجميع على أن يترافق الحوار مع النزول للشارع في أكثر من مناسبة، والذي كانت معركة الأبطال الأسرى والتضامن مع إضراباتهم، خاصة مع القائد الأسير «خضر عدنان»، فرصة التعبير الأكثر حيوية عن وجودهم.
تعاملت سلطة المقاطعة مع الدعوة التي وجهتها مجموعة «شباب بتحب البلد»، بضرورة محاكمة «السفاح موفاز» في حال وصوله، بلامبالاة واستخفاف شديدين، مما دفع قوى الحراك الشعبي لتنظيم مظاهرة داخل رام الله المحتلة، تعبيراً عن موقفها، واجهتها أجهزة «أمن السلطة» بوحشية شديدة، وكانت الهراوات واللكمات تواجه المتظاهرين والمتظاهرات، والصحفيين والإعلاميين، إضافة للكلمات البذيئة والتحرش الجنسي الذي لحق بالمتظاهرات (استنساخ تجربة أجهزة أمن مبارك). إنها الصورة الحقيقية عن «الديمقراطية واحترام حرية التعبير» التي تحدث عنها بيان رئاسة عباس بعد ساعات على القمع المتواصل للمظاهرات المتتالية . أما «اللواء عدنان الضميري» المفوض السياسي العام والناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية ، فيعيد تكرار الكلام عن «حرية التعبير ضمن احترام القانون» و لاينسى أن يشير لـ «التدخلات الخارجية» المحرضة والداعمة!. هذه الحرية «المقموعة» بسلسلة من القوانين التي تبدأ باعتقال المقاوم/ المقاتل ولا تنتهي بـ «قانون إطالة اللسان»! والتي يجري تطبيقها بسلاح وهراوات رجال أمن السلطة «الفلسطينيون الجدد» الذين تدربوا في معسكرات / مختبرات «دايتون».
لقد أكدت الشعارات والهتافات التي حملها ورددها المتظاهرون على وجود وعي سياسي جذري. إن رفض الزيارة مرتبط برفض اتفاق أوسلو سيئ الصيت. فشعارات «على التفاوض ...ثورة / على اللقاءات ... ثورة / على التنسيق ...ثورة ، عودة ... حرية ... كرامة، الحياة مقاومة وليست مفاوضات، اللاجئون قلب القضية» واضحة، لا تحتمل التأويل والتحليل. أما البيان الصادر عن مجموعة «فلسطينيون من أجل الكرامة» فقد عبّر عن نضوج سياسي في قراءة الوضع الراهن وصياغة المهمات المباشرة. البيان تحدث «عن سخطها الشديد –المجموعة- حيال لجوء السلطة الفلسطينية للقمع والاعتقالات والاعتداء على الحريات الصحفية والحريات العامة». كما ترى في هذه الاعتداءات «مؤشراً على إفلاس السلطة الفلسطينية سياسياً، وما اعتمادها على القمع إلا دليل قاطع على إصرارها بالمضي قدماً في تكريس أركان الدولة البوليسية القمعية تحت الاحتلال، بعد فشل نهجها التفاوضي في إنجاز عملية التحرر الوطني وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وعجزها عن الحفاظ على استقلالية ووطنية القرار الفلسطيني، نتيجة ارتباط مصيرها بأموال المانحين ما يجعل خلاصها وبقاءها رهينة إذعانها للشروط والإملاءات الأمريكية – الإسرائيلية». وقد تضمن البيان عدة طلبات إجرائية بحق كل الضباط الذين نكلوا بالمتظاهرات والمتظاهرين .
اتساع دائرة التضامن الشعبي مع التحرك الشعبي كما ظهر في مظاهرة عصر الثلاثاء 3 تموز يؤكد على أن شرارة الهبة الجماهيرية ستشعل النار في السهل كله. إن حملات التضامن، رغم محدوديتها، التي شهدتها عدة مناطق خارج فلسطين المحتلة «أمام سفارة السلطة في عمّان، مخيم اليرموك جنوب دمشق» تشير إلى أن الأهداف التي حددتها تظاهرات رام الله المحتلة، تؤكد مجدداً على وحدة الموقف للشعب الفلسطيني في مناطق تواجده، وبأن هذا الشعب بحاجة ملحة لتأطير جهوده في أشكال جديدة قادرة على التعبير عن النبض الكفاحي لمناضليه، خارج الأدوات والهياكل التي تكلست منذ فترة طويلة، ودخلت منذ سنوات في حالة الموت السريري.
لقد أثبت الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل أنه قادر على صنع مبادرات كفاحية تليق بأهدافه، ونابعة من معاناته. فالنجوم الساطعة في سماء الوطن «مناضلون من اجل الكرامة، شباب بتحب البلد، شباب ضد الاستيطان ...» تشير، إلى أن الشابات والشباب، والعديد من القوى المجتمعية/الأهلية، لم تسقط في فخ «منظمات الأنجزة» وورشات «السلام» الفلسطينية – الصهيوأمريكية. لأنها كما أظهرت الأحداث، رأس الحربة في مواجهة المحتلين، والأساس الذي سيعيد تثوير وتأطير الحركة الوطنية الفلسطينية.