وكلاء انقلاب فاشل في الإكوادور
نيل نيكاندروف نيل نيكاندروف

وكلاء انقلاب فاشل في الإكوادور

لعبت قوات الشرطة الإكوادورية دوراً رئيسياً في محاولة انقلاب، أدخل البلد بالفوضى طيلة يوم الجمعة 30/9/2010، متذرعة بتضرر عناصرها من مشروع القانون المطروح لتنظيم تعويضات ضباط الشرطة ومكافآتهم. ورغم أن القانون لا يتضمن تخفيض الرواتب، كما أشيع، إلا أن العقول المدبرة حرصت على إقناع عناصر الشرطة بالإشاعة، لتندلع شرارة الاحتجاج في العاصمة «كيوتو» وبلدة «غوايكويل» الساحلية. فأنشأت القوات المتمردة قواعدها، سريعاً، وأقامت الحواجز على الطرقات الرئيسية، وأوقفت حركة الملاحة الجوية. ومن داخل القوات المسلحة الجوية، انضم إلى الانقلابيين، كل العناصر المدربين في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تم عزل الطيارين الفنزويليين الموجودين في الإكوادور ضمن اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين. ونجا الرئيس رفائيل كوريا، من الموت، عندما نزل بنفسه إلى ثكنات الشرطة لتفسير مشروع القانون ودحض الشائعات، حيث أطلقت باتجاهه القنابل المسيلة للدموع، وأنواع أخرى من القنابل القتالية. فتم نقله إلى مستشفى عسكري قريب من مركز قوات الشرطة المتمردة، ليبقى تحت الحصار، طيلة ساعات، إلى أن تدخلت وحدات القوات الخاصة لإنقاذه ونقله إلى القصر الرئاسي.

 

 

ترجمة قاسيون

شذوذ العلاقات

على امتداد سنوات مضت، أقامت الشرطة الإكوادورية علاقات ودية مباشرة مع السفارة الأمريكية التي لا ريب في مآربها. وكانت أموال الصناديق التي يديرها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وغيرها، تتدفق روتينياً على شكل تعويضات ومكافآت لكبار الضباط، ومعدات لمختلف قطاعات الشرطة الإكوادورية. وازدادت حرارة العلاقات بين الطرفين بعد أن اعتمدت أجهزة المخابرات الأمريكية على مخابرات الشرطة والجيش الإكوادوريين لمراقبة سياسيي البلد وصحافييه وغيرهم ممن تعتبرهم الولايات المتحدة مناهضين لها. وإبان تأزم العلاقات مع كولومبيا، بسبب قصف الأخيرة لمواقع قوات «فارك» داخل أراضي الإكوادور، تبين أن أجهزة المخابرات الإكوادورية كانت تخفي المعلومات عن حكومتها، بينما تلتزم بنقلها للاستخبارات الأمريكية.

لكن مجيء رفائيل كوريا في عام 2007، على رأس حكومة وطنية، بدأ يضع حداً لتلك الممارسات الشاذة، ولتشرع الحكومة بالسيطرة على كافة مؤسسات البلد وأجهزته. ومن بين عدة إجراءات اتخذها الرئيس كوريا، أنه منع الشرطة من إقامة علاقات غير رسمية مع السفارة الأمريكية، ومن تلقي أي أموال منها. مما أغضب السفارة الأمريكية إلى حد أنها، في حركة احتجاجية، طلبت استعادة أجهزة الكمبيوتر التي كانت قد قدمتها لإحدى الدوائر الأمنية. وشهدت العلاقات بين واشنطن وكويتو فتوراً أكبر حين أغلق كوريا القاعدة العسكرية الأمريكية في «مانتي».

وعموماً، واجهت إصلاحات كوريا ممانعة شديدة من الطغم الإكوادورية، وعراقيل من النخب الموالية للولايات المتحدة، وأرتال من ضباط الجيش الذين تتلمذوا على أيدي الأمريكيين في «مدرسة الأمريكيتين»، سيئة الصيت، وتدربوا على محاربة الشيوعية، والشيوعية في ظرفنا الراهن هي التهمة التي تلوح بها الولايات المتحدة كلما واجهت حركة سياسية وطنية لا تتوافق معها!

فيالق الإلهام

نجاح عملية الإطاحة برئيس هندوراس، مانويل زيلايا، شجع صقور الولايات المتحدة على وضع خطط عمليات مشابهة، لتنفيذها في بقاع مختلفة من أمريكا اللاتينية، بهدف عزل الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، في نهاية المطاف، من خلال الإطاحة بحكومات الدول المتحالفة معه، وبدؤوا بالإكوادور اعتقاداً منهم أنها الهدف السياسي الأسهل ضربه.

أما المخطِط الأول لاستهداف الرئيس الإكوادوري فهي «هيثر هودجز»، المعينة سفيرة للولايات المتحدة في الإكوادور، منذ آب، عام 2008. والتي شاركت بعدة نشاطات في غواتيمالا أثناء فترة حكم الديكتاتور «ريوس مونت»، وخدمت كنائبة لمدير قسم الشؤون الكوبية، التابع للحكومة الأمريكية، المعروف بارتباطه التام بوكالة المخابرات المركزية. كما عملت هودجز في عدة دول، ضمن وكالة ما يسمى بصندوق المساعدات الأمريكية «USAID»، وحين تم تعيينها سفيرة للولايات المتحدة في مولدوفا، كانت مهمتها عزل القيادة المولدوفية عن روسيا، وتنظيم ثورة ملونة بالاشتراك مع عدد من المنظمات غير الحكومية المؤيدة للغرب، وبالاعتماد على كوادر وكالة «فيالق السلام الأمريكية». وفي هذه الأوقات، تستخدم فروع وكالة «سي آي إيه» متدربي الفيالق في كل من فنزويلا وبوليفيا والإكوادور.

 

معاينة ميدانية

في حزيران الماضي قامت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون بزيارة كويتو لتقييم الوضع عن كثب، وسبر إمكانية إبعاد الرئيس رفائيل كوريا عن تشافيز، وتقريبه من الولايات المتحدة، لكنها فشلت في الحصول على أية إشارة مشجعة. وبالنتيجة، أصدرت تعليماتها لسفيرتها، هيثر هودجز، ببدء عملية إضعاف مواقف كوريا، تمهيداً للإطاحة به لاحقاً. وضخ صندوق «USAID» بمفرده أربعين مليون دولار لتمويل حملةٍ لعب دور البطولة فيها الرئيس الإكوادوري السابق، الكولونيل «لوشيو غوتيريز»، الذي انتهى حكمه للإكوادور بهربه إلى الخارج، وبعد صدور عفو عنه عاد لتحدي كوريا في انتخابات عام 2009 الرئاسية، وخسرها.

وحسب مشروع خطة الانقلاب المعد من الوكالة المركزية، كان من المفترض أن يعلن غوتيريز، عبر التلفزيون الرسمي، عن خلع «الديكتاتور» كوريا ونقل كل السلطات إلى حكومة انتقالية مؤقتة، تتولى، وفقاً للخطة، حل برلمان الإكوادور وإجراء انتخابات سريعة. لكن اصطدام المتآمرين بجماهير المدافعين عن رئيس الإكوادور الشرعي، وفشلهم حتى في فتح الطريق المؤدي إلى مبنى التلفزيون أمام غوتيريز، إضافة إلى رفض منظمات الهنود (PACHAKUTIK) الاشتراك في العملية الانقلابية، كلها عوامل أدت إلى إحباط الانقلاب.

أعلنت الإكوادور حالة الطوارئ، ويعتزم كوريا تطهير مؤسسات الدولة القانونية، علاوة على كشف المتورطين بالانقلاب، بمن فيهم ضباط الجيش. مع العلم أنه قد تم توجيه الاتهام علنياً، لغوتيريز وحزبه «التجمع الوطني» (Sociedad Patriotica).

وقد ناقش اجتماع ممثلي «اتحاد دول أمريكا اللاتينية» الطارئ أسباب الاضطرابات في الإكوادور، والإجراءات الواجب اتخاذها لمنع تكرار تجارب الانقلابات في المنطقة. وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أن واشنطن امتنعت عن إدانة مرتكبي انقلاب الإكوادور الفاشل.

مركز الثقافة الإستراتيجية – روسيا