ثورتا تونس ومصر.. في العمق قليلاً!
نجح الشعب المصري أخيراً في تحقيق الانتصار ورحل الطاغية رأس حربة مشروع العمالة في المنطقة، وإذ يأتي هذا الانتصار في سياق عام هو الأفق المفتوح أمام الشعوب للتخلص من الهيمنة وأزلامها ، فإنه خصوصاً يأتي بعد انتصار الثورة في تونس وجراء دخول الأزمة الاقتصادية العالمية طوراً جديداً.. وحقاً أن التاريخ يأتي دائما بما هو مفاجئ «ولا أقول غير متوقع»..
في لحظة معينة من التاريخ استطاع مجموعة من الشبان البدء بثورة لم تكتف بإسقاط الأنظمة الاستبدادية المرتبطة بالغرب فقط بل أسقطت مقولة الشعب المهمش العاجز عن أن الرفض قبل المواجهة..
لنحاول الغوص قليلاً في بنية النظامين التونسي والمصري قبيل لحظات من الانفجار الشعبي المدوي.
يشابه شكل هذه الأنظمة بشكل مذهل شكل النظام القيصري الروسي قبيل لحظات من الثورة التي تمكنت من الإطاحة بالقيصرية بثورة شعبية شارك فيها حتى الجند المرهقون من الحرب العالمية.
كان القاسم المشترك بين مصر وتونس هو وجود ما يمكن تسميته القيصرية الجديدة على سدة الحكم في كل منهما. فعائلتا مبارك وبن علي كانتا تمارسان الدور نفسه، وكان من الصعب بمكان أن تتم أي صفقة تجارية في مصر أو تونس دون أن يكون لهما حصة السبع فيها. والفرق الوحيد بين هذه القيصرية الجديدة والقيصرية القديمة هو أن الجديدة كانت تابعة بالمطلق لهيمنة الشركات الكبرى في العالم تعتاش على الهامش المالي والتجاري لتلك الشركات في المنطقة. وهذا ما حول النظام إلى تابع بالمطلق للهيمنة الامبريالية في المنطقة نتيجة الخلط بين العائلة التابعة اقتصادياً والدور السياسي للدولة التي تتربع العائلة على هرم السلطة فيها.
وعلى هذا فقد كانت الكتلة الشعبية الثائرة على هذه الأنظمة تضم الكثيرين ممن هم في موقع التبعية أيضاً من حيث أنهم نخب بورجوازية حرموا من لعب دورهم في ظل حكم القياصرة الجدد في تونس ومصر. وسياسياً يتضح هذا الدور في مشاركة حركة النهضة في تونس وحزبي الوفد والغد في مصر في حركة الاحتجاجات الشعبية وكانوا جزءاً أساسياً منها «يتضح الموقف أكثر في مصر منه في تونس لكون مصر حلقة أكبر في السلسلة العالمية» وهذه التيارات تشابه من حيث الموقع حزب الكاديت الروسي والذي شارك في الثورة التي أطاحت بالقيصر.
بناء على ما تقدم يمكن القول إن الأنظمة التي ستتشكل في البلدين- رغم أنها قفزة عظيمة إلى الأمام- ولكنها ليست نهائية، فهي لن تخلص البلدين من التبعية بشكل كامل- رغم أنها لن تعيد إنتاج نفس التبعية بشكلها الفظ ذاك- إلا أنها خطوة أساسية نحو الأمام وهي أقرب إلى شكل من أشكال التغيير الوطني الديمقراطي، ولكن هل نقف هنا؟
بالعكس تماماً فاللحظة مؤاتية جداً للدفع بهذه التغييرات إلى الأمام وهي مهمة أقرب منها في تونس إلى مصر لوجود حراك يساري كان الأوضح في العملية السياسية المرافقة لثورة تونس ولكن، حتى في مصر فهو وقت حقيقي ومناسب جداً للفرز ولأجل ذلك لا بد من أن تخاض تحالفات سريعة وأن تصاغ من أجله الرؤى، فمن المعروف تماماً أن الحكومات الناشئة لن تستطيع أن تحقق النقلة النوعية في حياة المواطن المصري أو التونسي، والشارع قد حطم في هذه اللحظات حاجز الخوف مرة وإلى الأبد، وهو حتى هذه اللحظات ما زال يعيش نشوة الانتصار، لذا فإن هذه التحالفات السريعة بين صفوف اليسار، في البداية مهمة عاجلة أمام كل مكونات اليسار للانقضاض الشعبي على الحكومات الناشئة قبل توطيد التبعية الجديدة واستثمار الحماس الجماهيري لدى الجماهير، وكذلك فاللحظة مناسبة تماماً للتخلص من القيادات الانتهازية سواء في الحركة النقابية التونسية، تلك التي لم تشارك في الاحتجاجات في البدء خوفاً على مصالح شخصية، كذلك القيادات الانتهازية في اليسار المصري تلك التي كانت أول من شارك في الحوار مع النظام المخلوع وآخر من خرجت من الحوار.
وعند تشكيل مثل هذه التحالفات لا بد من توجيه خطاب مدروس وجذري للجماهير بهدف تعرية تلك التيارات التي لن تحقق للشارع المصري أو التونسي سوى مجموعة تغييرات ديمقراطية لا يمكن وصفها بالجذرية حتى، وبهذا تتخلص الثورة من «كاديت» الثورة وهي مهمة عاجلة وضرورية.