«المجتمع الدولي».. خديعة المصطلح
أصبح ما يسمى «المجتمع الدولي» في العقدين الأخيرين مصطلحاً شائعاً جداً, ويكثر تداوله بشدة بعد أي اعتداء امبريالي على أي مكان في العالم، حيث تتعالى الدعوات والأصوات لكي يقوم بواجبه.
وفي التعريف، فإن المجتمع الدولي هو فعلياً مجمل العلاقات البينية التي تربط دول العالم بعضها ببعض في واقعها الحالي، وتقبع في قمة هرم هذا المجتمع منظمة الأمم المتحدة المسلوبة الإرادة تماماً للإمبريالية الأميركية حتى لو حاولت إظهار العكس..
«نطالب المجتمع الدولي بلعب دور جاد».. جملة تتكرر بعد كل فعل إجرام تقوم به الولايات المتحدة أو أعوانها في كل مكان. وكما هو واضح فإن المجتمع الدولي بعدم اتخاذه أي موقف من هذه الأفعال الإجرامية، بل تركيز جهوده لمحاربة دول الرفض فإنه يظهر انحيازاً تاماً لمخططات الدول الكبرى .
ورغم وضوح هذه التفصيلة إلا أن القول المأثور إعلامياً يعاود الظهور «لا بد أن يلعب المجتمع الدولي دوراً..».. ولا يمكن تبرير كثرة ظهور هذه الجملة إلا بتفسيرين متفائلين الأول هو افتراض أن دور هذا المجتمع أن يقف إلى جانب الشعوب المظلومة، وأنه قادر على لعب هذا الدور. والثاني محاولة لتعرية المجتمع الدولي أمام الشعوب التي مازالت تؤمن بإمكانية تحقيق دور عادل له.
لكن في الحقيقة فإن كلا التبريرين قد فقد دوره اليوم بعد اتضاح صورة المجتمع الدولي لغالبية شعوب العالم والمضطهد منه خصوصاً. حيث أصبح تماهي هذا «المجتمع الدولي» مع القوى الكبرى حالة قد تعرت تماماًَ للجميع، وعلى هذا فقد أصبحت النداءات حالة فاقدة الشرعية شعبياً.
من هنا فإن هذه النداءات لا يمكن فهمها إلا على أنها محاولة لترسيخ استلابنا التام لنمط الحياة الأحادي القطب، وأن سقف معارضتنا لهذا النمط هو عبر اللجوء للمجتمع الدولي، بدل من الحالة الصحية وهي إفراز مقاومات وأشكال بديلة لانتزاع الحقوق، وتحويل مواقفنا الغاضبة إلى حالة متخلفة تتجلى في تعليق الآمال على جدران الأمم المتحدة.
إن هذا النمط في ما يسمى معارضة اعتداءات القوى الكبرى، يقودنا إلى نداء موازٍ لوقف عمليات المقاومة المسلحة لكسب تأييد المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، وهو محاولة ساذجة لتبرير التماهي الكامل مع مخططات القوى الكبرى الرامية لتفريغ العالم من مقاوماته. فالمجتمع الدولي لن يرضى إلا إذا أصبحت حكوماتنا أدوات طيعة لتنفيذ مخططات الدول الكبرى، وقد أثبتت التجربة أن الرأي العام العالمي، والذي تمثله آراء الشعوب الحرة في مناطق أخرى من العالم كان في قمة تعاطفه مع قضايا الشعوب المضطهدة في زمن المقاومات النوعية من الفييتنام إلى كوبا وجنوب أفريقيا، وحتى فلسطين المحتلة.
اليوم وبعد استهلاك هذه النداءات حتى آخرها، لا بد من العودة إلى المقاومة.. تلك المقاومة المتجذرة بالأرض والمؤمنة بالحقوق، خصوصاً بعد اتضاح أن المجتمع الدولي لن يقدم تأييده إلا للبندقية التي تتماهى مع مخططات الدول الكبرى التي أفرزتها وتدعمها.
إن البندقية الشريفة تأبى أن ترتاح أو تنتقل إلى الكتف الأخرى، طالما أن سبب وجودها باق. هذه هي البندقية التي تعرف عدوها جيداً ولا تصوب إلا نحوه..