أيام الدولار المعدودة
لعبت العملة الأمريكية، لفترة طويلة من الزمن، دوراً رئيسياً في التبادلات العالمية، وفي كيفية الحفاظ على الاحتياطي النقدي للعديد من دول العالم. إنما، يوماً بعد يوم، يتنامى وعي مفاده أن مصارف دول العالم المركزية تساعد، بشكل مباشر، نظام الولايات المتحدة المالي الإجرامي على نقل الاحتياطات النقدية لتلك الدول، واستبدالها بسندات أو غيرها من صكوك مالية تصدرها الخزينة الأمريكية. وبدورها تساهم عملية نقل احتياطات هذه البلدان في تخفيف وطأة العجز المالي الأمريكي، كما تساهم في تمويل الحروب الأبدية التي يتولى شنها المجمع العسكري الأمريكي المستوطن في واشنطن.
إرنستو كارمونا
لم تكشف وسائل الإعلام العالمية الكبرى عما يتخذ من إجراءات تمهيدية لإيجاد بدائل عن الدولار الأمريكي كوحدة نقد عالمية. والتزمت بعدم نشر أي مما يتعلق بالاتفاق على دفن الدولار الذي تم في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNTACDA). أو ما تم في أيلول/2009، إذ أعلنت مجموعة من دول أمريكا اللاتينية (ألبا)، عزمها على التخلص من الدولار، وكانت قد سبقتها إلى ذلك ست دول آسيوية، ضمنها روسيا والصين، إضافة إلى إيران. ولا تزال قضية استبدال الدولار تُطرح في الكثير من المؤتمرات والندوات العالمية.
اتفاقيات تاريخية
في خطوة قد تمثل أكبر عملية تصحيح نقدية منذ الحرب العالمية الثانية، أوصى مؤتمر التجارة والتنمية المذكور، المنعقد في أيلول من عام 2009، بإيجاد عملة جديدة تحل محل الدولار كعملة للاحتياطي المالي، وإعادة هيكلة «نموذج بريتون وودز» للنظام النقدي العالمي القائم. ويُذكر هنا أن منتجع بريتون وودز في نيوهامبشاير كان بمثابة «مكتب إدارة» مؤتمر النقد والمال الذي عقدته الأمم المتحدة في عام 1944، وأقرّ قواعد العلاقات التجارية والمالية بين البلدان الصناعية في عالم ما بعد الحرب العالمية، إضافة إلى اتخاذه قرار إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجعل الدولار عملة عالمية.
ويبدو أن دول العالم لم تعد ترغب بتحمّل مواصلة دعم المجازفات العسكرية الأمريكية وإمدادها مالياً. فاجتماع حزيران، 2009، في مدينة «كاترينبورغ» الروسية، الذي جمع زعماء دول «منظمة شنغهاي للتعاون» (الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزيا، طاجيكستان، أوزبكستان) تبنى قرار الاستغناء عن الدولار، الأمر الذي يعتبر أول إجراء رسمي يتخذه شركاء تجاريون رئيسيون للولايات المتحدة. وإذا ما كتب النجاح لهذا الأمر، فستهوي قيمة الدولار، وترتفع، فجأة، تكلفة المواد المستوردة، كالنفط، وستعجز الإمبراطورية الأمريكية عن مواصلة حروبها.
إضافة إلى ذلك، باشرت الصين، منذ فترة، التفاوض مع البرازيل وماليزيا من أجل اعتماد اليوان الصيني في التعاملات التجارية، فيما أعلنت روسيا أنها ستبدأ باعتماد الروبل والعملات المحلية في تبادلاتها التجارية. وفوق هذا وذاك، تقوم روسيا والهند وباكستان وإيران بتشكيل مجال مالي- عسكري يُخرج الولايات المتحدة الأمريكية من أوراسيا كلياً.
وبعد أن كانت دول «ألبا» التسع في أمريكا اللاتينية (البديل البوليفاري لشعوب أمريكا نا ALBA) قد أجمعت على اعتماد عملة إقليمية (السوكْر)، إلى جانب الدولار، خلال اجتماع عقدته في شهر تشرين الثاني 2009، اتفقت دول التحالف اليساري الذي تأسس بدعوة من الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، على المضي قدماً بالاعتماد على الوحدة النقدية الجديدة في التعاملات التجارية البينية، لتحل محل الدولار الأمريكي بشكل نهائي. ومنذ أوائل عام 2010، باشرت دول ألبا (فنزويلا، بوليفيا، كوبا، الإكوادور، نيكاراغوا، هندوراس، جمهورية الدومينيكان، باربودا، سان فنسنت/أنتيغوا) باستخدام السوكر فيما بينها كمعادل محاسبي (دون صك عملة ورقية).
علاوة على دعوة التحالف إلى الاستغناء عن «مركز حل النزاعات الاستثمارية» التابع للبنك الدولي، الذي أدت وسائله التحكيمية لحل النزاعات إلى إغراق دول «ألبا» في مستنقع من الخلافات مع عدد من شركات النفط الكبيرة، مما أدى إلى انسحاب معظم أعضاء التحالف البوليفاري منه، باستثناء الإكوادور التي أعلنت أنها ستنسحب منه لاحقاً.
نظام مالي إجرامي
من بين وسائل الإعلام القليلة التي تحدثت عن الموضوع، أوردت صحيفة تلغراف البريطانية مقالاً بعنوان «الأمم المتحدة ترغب بإيجاد عملة عالمية جديدة تحل محل الدولار». وذكر المحرر الاقتصادي إدموند كونواي، في السابع من أيلول، عام 2009، أن اقتراح الأمم المتحدة يُعتبر «أكبر مراجعة للنظام النقدي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية»، مؤكداً أنها «المرة الأولى التي تقدم فيها مؤسسة دولية كبرى مثل هذا الاقتراح. مع العلم أنه سبق لدول عديدة، مثل الصين وروسيا، أن اقترحت استبدال الدولار كعملة للاحتياطي العالمي، في تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية».
يرد في تقرير الأمم المتحدة: «إن نظام تسوية الحسابات وتشريعات رأس المال المرتبط بالاقتصاد العالمي لا يعملان بشكل ملائم، الأمر الذي يعتبر، إلى حد كبير، سبباً للأزمة المالية والاقتصادية». أما «ديتليف كوت»، أحد معدّي التقرير، فيقول «إن استبدال الدولار بعملة اصطلاحية كفيل بحل عدد من المشاكل، وربما تمكين دول عديدة من سد عجز ميزانياتها، وتعزيز الاستقرار».
على أية حال، رغم تأكيد تقرير الأمم المتحدة وكثير من الاقتصاديين على أن سبب الأزمة الاقتصادية يكمن في قصور النظام النقدي الذي تم تأسيسه في اتفاقيات «بريتون وودز»، لم تقدِّم أية جهة دولية رئيسية نظاماً بديلاً، بما فيها مجموعة الدول العشرين. ولذلك تعتبر مقترحات تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الأكثر جذرية في تاريخ المنظمة، من ناحية إعادة ترتيب النظام النقدي العالمي.
أخيراً، في مقال بعنوان «الإمبراطورية الأمريكية مفلسة» علّق فيه الكاتب والصحفي الأمريكي «كريس هيدجز» على اجتماع «ايكاترينا» المذكور آنفاً، بالقول «طبقة وول ستريت وباراك أوباما الإجرامية، وبمساندة من وسائل إعلام كبرى الشركات، تواصل بيعنا الترهات وقمامة الإشاعات ملفوفة على شكل أخبار، فيما نرزح تحت وطأة أكبر أزمة اقتصادية في التاريخ. لعلهم نجحوا في خداعنا، لكن بقية دول العالم تعرف أننا محطمون. ملعونة تلك البلدان إذا هي واصلت دعم تعويم الدولار الأمريكي وتضخمه، وإدامة عجز الميزانية الفيدرالية الهائل الذي زاد عن تريليوني دولار تموّل التوسع الإمبريالي الأمريكي في أوراسيا، كما تمول توسع نظامنا، نظام رأسمالية الكازينو».
عضو مجلس إدارة اتحاد الصحفيين في تشيلي