المغرب غارقاً في الفساد
لا يمكن أن نتصور أية حكومة تنشد الاصلاح دون محاربة الفساد ، ومحاربة الفساد دون كشف المفسدين وإثبات فسادهم بالحجة والدليل حتى يتعرف الشعب عليهم فيَحْذرهم ويدحرهم، وبالتالي فإن استمرار سياسة اللاعقاب، والدعوة إلى التستر عن المفسدين من خلال «عفا الله عما مضى» بحجة ضرورة التوجه إلى إيجاد حل للمشاكل التي يواجهها المجتمع، لا يخدم مصلحة الوطن البتة، ولا يسمح لقطار الإصلاح بالتقدم لتحقيق الأهداف المرسومة، بل يصب في مصلحة أهل الفساد ويقوي شوكتهم.
فمع افتتاح المجلس الوزاري المغربي، الأحد الماضي، في «وجدة »، استمع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى ما لا يرضيه من الملك محمد السادس، وهو يؤنب الحكومة ككل بسبب تصريحات بعض أعضائها، الذين وجهوا اتهامات بالفساد إلى وزراء سابقين.
وعبر عن ذلك الملك محمد السادس باللهجة الدارجة بالقول «الوقت الذي يجب أن تبذلوه في العمل وإيجاد الحلول تضيعونه في شي تيحفر لشي».. أي «تضيعونه في حفر الحفر لبعضكم البعض».
في حين أن ممارسات الفساد التي شهدها عهد أبيه الملك الحسن الثاني، اكتست بطابع مؤسسي معه، لدرجة
أن الإنسان في المغرب ليعجز عن الإجابة عندما يطرح عليه السؤال التالي أيهما أولى، الوطن أو الكرامة ؟
«الزبونية» ومظاهر الفقر والتهميش
«الزبونية» آفة وآلية من آليات الحكم يتم من خلالها إشاعة الفساد عبر المخالفات العلنية للقوانين حين يتم شراء النخب، وإفساد الذمم، وتكوين طبقة من المنتفعين والمفسدين، وبالمقابل يتم تهميش الكفاءات وإقصاء ذوي النزاهة والأمانة وتصبح غنيمة المال العام ونهبه هدف كل من استطاع إلى «الحلب» سبيلا، من أعلى سلم المسؤولية إلى أسفله. ويحتل المغرب المرتبة التاسعة بين 17 دولة عربية شملها تقرير للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، كما يحتل المرتبة 85 من بين 178 دولة تعتبر الرشوة ظاهرة مزمنة فيها، ووفق التقرير فإن القضاة والموظفين يعدان الفئات الأكثر فسادا، تتلوهما الشرطة، وحسب البارومتر العالمي ليس هناك قطاع واحد غير ملوث بهذه الآفة، بما في ذلك المجتمع المدني والأحزاب والبرلمان وأفراد من الجيش و وسائل الإعلام كما أن الاسرة المالكة لها علاقة وطيدة بالفساد وتجارة المخدرات، الحشيش والكوكايين، وبعض أفرادها نشطاء في عالم الجريمة المنظمة.
ومن صور اختلاس المال العام التهرب الضريبي، وتؤكد «ترانسبرانسي المغرب» أن الإدارة الضريبية تعتبر من بين القطاعات الأكثر تعرضاً للفساد كما أبرزت أن النظام الضريبي يساهم في تراكم الثروات لمصلحة أقلية وإفقار أغلبية السكان.
وقد أشار تقرير «الخطة الخمسية» أن السنوات الخمس الأخيرة، عرفت عودة قوية للفقر، حيث يعيش 7 ملايين من المغاربة تحت عتبة الفقر، ونسبة الفقر في الوسط القروي أكثر بثلاث مرات نسبتها في الوسط الحضري، ويصل الإنفاق السنوي لهذه الشريحة إلى أقل من 3235 درهماً بالوسط الحضري، و2989 درهماً بالوسط القروي، وتمس ظاهرة الفقر أكثرالأطفال والنساء والشباب، وهناك هوة كبيرة في الإنفاق بين الطبقات، حيث ينفق 10 في المائة من الطبقة الغنية ما يعادل 12 مرة ما ينفقه 10 في المائة من الطبقة الفقيرة، وسبب الفقر المتزايد بين سنتي 1990 و1999 من 3,1 في المائة إلى 19 في المائة أي بنسبة 85 % إنما هو النمو الضعيف للاقتصاد الوطني.
إن الفقر الذي يعاني منه 19% في المائة من المغاربة أضحى مشكلة بنيوية، يكشف وضعية المحنة التي تتهدد فئات عريضة من المجتمع حيث تشير خارطة الفقر إلى أن أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون مغربي يقطنون مساكن غير لائقة، ويوجد ما يزيد على ألف حي صفيحي في 70 مدينة، أما الأحياء العشوائية فيبلغ عددها 1250 حياً، وتأوي أكثر من 450 ألف أسرة،وليس أبناء الريف فقط، من يفضلون العيش تحت الصفيح، بل حتى أبناء المدينة اضطروا إلى الانغماس في دروب هذه الأحياء التي تستقطب كل النازحين الذين يتشابه مصيرهم، وفي ظل ارتفاع أسعار العقارات ومستوى المعيشة بشكل عام، رأت هذه الأسر التي لا تدرالدخل الكافي الذي يلبي حاجاتها الاقتصادية والمعيشية، اللجوء إلى هوامش المدينة لتستطيع البقاء، والاندماج في حياة أطلق عليها الإعلام المغربي «أحزمة البؤس» أو أحزمة الفقر، كما أن الفساد هَدم أخلاق الشعب، ونخر اقتصاده، وبدد ثرواته، وشرد المستضعفين، ودفع الفتيات البائسات إلى سوق البغاء، وخطف لقمة العيش من أفواه الأطفال، حتى «البندورة» أصبحت حكراً على الطبقة البورجوازية في المغرب، بالرغم أن الأسواق الأوروبية مليئة بالبندورة المغربية، وتسبب في تفشي البطالة بنسبة 30% من سوق العمل والمخدرات والمرض والخمور ومدن القصدير والرشوة والمحسوبية وطابور المشاكل وحول الاقتصاد من منتج إلى ريعي.
حكومة الظل هي التي تملي
وهناك خاصية مشتركة بين جميع الحكومات المغربية وهي أنها لا تَحكم، وغير منبثقة من أغلبية برلمانية حقيقية، وغير منتخبة أصلا، وضعيفة، لا سلطة لها سوى تنفيذ مخططات فوقية وتصريف أعمال لحكومة سامية يسميها المراقبون بـ «حكومة الظل» وهي «وزارة الداخلية» التي تملي عليها كل شيء وتسيطر على كل الوزارات.
والانتخابات المغربية، متحكم فيها، وموضوعة على مقاس استمرار الوضع في الحكم على ما هو عليه، وتهميش القوى الحية بالبلاد ومحاصرة رأيها، ولا تؤدي إلى تحقيق التداول في الحكم، وهي في هذه الظروف والشروط عبارة عن سوق لترويج السراب والكذب والاحتيال وشراء الذمم وتمديد عمر الأزمة، هي باختصار تجارة، للقصر فيها «الجمل بما حمل».
أما البرلمان المغربي فإنه لم يُصنع لأداء وظيفته التشريعية ودوره في مراقبة الحكومة، وإنما وُضع ديكور وقناع ليقال للغرب إن لنا برلمانا مِثلكم. فهو برلمان صوري فاقد لصلاحياته.
وتبقى الرشوة هي العلاقة الأساسية بين المواطن والإدارة، والتعليم ما يزال في أسوأ أحواله، والصحة قطاع مترد للغاية والإعلام الرسمي ما يزال يطبل ويهلل مثل باقي الإعلام العربي، في وقت يعاني الشعب أشد معاناته وتهتز مدنه من أجل التغيير، بل إنه ما يزال أكثر من نصف شعب المغرب لا يستطيع التغلب على وجبة عادية في اليوم من خبز أسود وشاي أسود. لقد أصبح للأسف حكراً على عائلات معينة لا تعرف من النضال سوى سرقة خيرات الشعب، وتوهم القصر بأن أهل الشمال انفصاليون وأن سكان الصحراء انفصاليون وأنهم هم وحدهم المغاربة.
لا يمكن القضاء عليه إلا بالقوة
و تشير العديد من المؤشرات والدراسات أن الفساد بالمغرب بات يشكل خطورة ، ليس على التنمية الاقتصادية فحسب ، بل حتى على الاستقرار السياسي والمجتمعي برمته على اعتبار أن الفساد يسهم في تعميق الهوة بين الطبقات ، ويضيع على خزينة الدولة الملايين من الدراهم ، ويفرز واقعاً اجتماعياً يتسم بتراجع مؤشر التنمية البشرية وتنامي معدلات الفقر والبطالة وتفشي ظاهرة الهجرة علما أن المغرب يأتي بالدرجة الثانية عالميا في تصدير الملاكات العلمية.
إن الجميع يعترف أن هنالك فسادأً فظيعاً ينخر كل مؤسسات البلاد سواء كانوا من المسؤولين أو الموالين للحكم أومن معارضيه بشتى تلاوينهم السياسية والأيديولوجية ، ومما لا يمكن إنكاره وجود عدم عدالة في توزيع الثروة وطبقية صارخة وبطالة واسعة وفقر مدقع ، بالإضافة إلى عدم وجود بنية تحتية ولو لتصريف قطرات مياه الامطار البسيطة التي كثيرا ما تسببت بقتل المئات من المواطنين البسطاء وانتشار الرشوة والعمولات الضخمة،ولقد صنف المغرب في المرتبة السادسة قاريا ضمن البلدان المصدرة للمال غير الشرعي فمؤسسات القطاع العام ، من ماء وكهرباء ومعادن وكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تسيرها الدولة انخفضت مردوديتها كثيرا قبل خصخصتها وأن اغتناء رؤساء المصالح بها أصبح ظاهرة عادية، وهكذا ظهرت
قضايا مثل قضية الخطوط الملكية المغربية والقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي والصندوق الوطني للتقاعد... هذه المؤسسات التي نهبت عن آخرها.
لكن الغريب في الأمر والذي يدل على أن الفساد صار هو قانون هذا المجتمع وأخلاقه هو أن هذا المال العام الذي نهب لم تتدخل أية سلطة من أجل إرجاعه بالطرق القانونية ومعاقبة الجانين، على الأقل بإرغامهم على إرجاع المال المنهوب ولو وضعوه في حساب أبنائهم أو زوجاتهم.
إن حال الفساد وصل في المغرب لدرجة لا يمكن تغييره إلا بالقوة ، فالشعب المغربي أرسل ملايين الشكاوى أغلبها تحمل هما واحدا، سواء لديوان المظالم أو لوزارة العدل وحتى للديوان الملكي، لكن لوبي الفساد كان وما يزال مصرا على تجاهل تلك الرسائل، الشيء الذي ولد لدى الشعب المغربي فقدان الثقة. ونعلم أن فقدان الثقة يؤدي إلى العصيان وهو ما يعرفه العالم العربي اليوم؟ وهذا ما سيحصل في المغرب قريبا جدا وليست المسألة سوى مسألة وقت.