حول مالم يـُقرأ في خطاب ذكرى التحرير
أثار خطاب السيد حسن نصر اللـه في الذكرى السنوية لتحرير جنوب لبنان، في 25 أيار الماضي تساؤلاً واهتماماً كبيرين كونه احتوى عناصر هامة وجديدة على مستوى الرؤية والخطاب السياسيين.
وإذا كان مفهوماً توقيت الخطاب المواكب للأحداث التي وقعت ولا تزال مؤخراً في لبنان، وتحديداً الشمال، وما أفرزته من تغيرات في موازين القوى على الأرض لمصلحة القوى المسلحة والمجموعات التكفيرية الإسلامية، نستطيع القول أن نظرية «الهلال الشيعي الصفوي»التي على أساسها تم العزف على وتر الطائفية في المنطقة، والدعوة الأمريكية إعلامياً وسياسياً لمحاربتها عبر حلفائها في الداخل العربي (في سورية ولبنان)، ما هي إلا محاولة لإخفاء طابعها الحقيقي المقاوم بشكل جدي وصريح للمشروع الإسرائيلي الأمريكي في السيطرةعلى المنطقة ومثلث (إيران وسورية ولبنان)، كقوى مقاومة في المنطقة.
ويبدو أن الفشل الغربي الذريع في ضرب سورية (التي تمثل، حتى الآن، الركيزة الأساسية في هذا المثلث بالمعنى الجغرافي والسياسي والعسكري، عبر الركوب على موجة الحراك الشعبي فيها وتسليحه وأسلمته، ومن ثم محاصرة سورية اقتصادياً وتصعيد العنف حتى أعلىمستوياته حتى باتت استعصاءاً على المستوى الدولي منذ ما يزيد على السنة والنصف) أجبر الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل على التحول إلى إحدى الخطط البديلة والجاهزة دوماً عندها حسب الظرف الملموس، وهي ضرب المقاومة في لبنان وعلى رأسها حزب اللـه،كونه القوة العسكرية التي تهدد أمن إسرائيل، مستهدفتان بذلك ضرب عقلية مقاومة الاحتلال والمشاريع الاستعمارية، حتى صاحبة الحلة الجديدة منها، وتقويض القوة العسكرية التي يمتلكها حزب الله، ليتم، بالتالي، ضمان أمن إسرائيل في المرحلة الراهنة، وكذلك تسهيلالعبور إلى سورية عبر الورقة الطائفية. فمن المعروف أن سيادة لبنان كدولة هي مفتاح الأمن في المنطقة، ومن ثم تحقيق هدف عزل إيران سياسياً ومحاربتها ببرنامجها النووي بعد إنهاء سورية والمقاومة اللبنانية طبعاً.
وإذا كان مفهوماً أيضاً ما استندت إليه القوى المسيطرة حديثاً من عوامل دعم، أساسها الظروف الاقتصادية – الاجتماعية، وحجم التحريض الطائفي إعلامياً وسياسياً، والتبعية المذهبية، بما هو امتداد للأزمة السورية مع حجم التدخل الخارجي الكبير (استناداً إلى الكثير منالتقارير عن أدوار لسعودية وقطر وتركيا لناحية الدعم اللوجستي والمالي والعسكري والإداري لهذه القوى التكفيرية المختلفة). كل هذه المعطيات تقودنا إلى فهم حساسية حزب اللـه الشديدة تجاه الخطر المتوقع من امتداد الأزمة، بشقها الطائفي المسلح والعنيف، إلى شمال لبنان،وبالتالي سعيه لدرء الفتنة الطائفية وحفظ السلم الأهلي وتقديم تنازلات جزئية هنا وهناك عبر غض النظر وعدم سماع التحريض المستمر، وعدم الانجرار إلى الإستفزاز وردود الفعل غير المدروسة، وهو ما أكده السيد حسن نصر اللـه في خطابه. إلا أن اللافت هو تجاوز هذهالنقطة (الفتنة الطائفية وامتداد الأزمة) إلى ربطها بعلاقتها بالظرف الملموس فقد ربط بين العامل الاقتصادي الاجتماعي وبين مفهوم السلم الأهلي، وهو شكل جديد من أشكال الربط في خطاب حزب اللـه، مسقطاً ذلك على الظرف المعيشي والخدمي والاجتماعي السيئ، وعواملالحرمان والفقر، وبؤس المشهد السياسي، وهو الذي يحول جماهير واسعة في هذه المنطقة إلى وقود تستخدمه القوى الإسلامية المهيمنة.
فجاءت دعوته للعودة إلى طاولة الحوار الوطني بأسرع ما أمكن، وقد وسع السيد في خطابه، الدعوة هذه المرة باتجاه الحوار بين الفرقاء اللبنانيين وربط القضايا الوطنية والاقتصادية الاجتماعية ببعضها، وطرح من جهة أخرى مفهوم الحوار كشكل من أشكال الصراع السلميالحضاري، كما دعا في خطوة جديدة إلى تجاوز الصيغة السياسية الحالية في لبنان المستندة إلى ما يعرف بالطائف، وصولاً إلى عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين بمعنى أن يشمل هذا الحوار كل شيء ولا محرمات فيه. وهنا نستقرئ حالة وعي جديدة تتشكل على أرض الواقعوهي فهم وإدراك المحرك الجوهري لقضايا الشعوب المستندة إلى الواقع الطبقي.
وأن طبيعة الصراع هي في جوهرها طبقية يحركها الواقع الاقتصادي الاجتماعي، وأن الصيغ الطافية على السطح كالطائفية، وغيرها، ما هي إلا شكل خارجي لا يمت للواقع الحقيقي بصلة. ومن جهة ثانية تبدو الدعوة إلى تجاوز صيغة اتفاق الطائف نحو صيغة جديدة باسمعقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين خطوة مستندة إلى الحس الوطني المتجسد بالدفاع عن كيان الدولة اللبنانية وسيادتها، ومحاولة عدم السماح بالتراجع إلى مرحلة التقسيم المناطقي العسكري إثر الحرب الأهلية، وبعد تكرار التجربة، من جديد، يبدو أن لبنان يعيش لحظة ولادةجديدة أفرزها واقع الصراع في الداخل والخارج على هذا البلد