أسطورة «التعافي الاقتصادي» الأمريكي!
تقوم إدارة أوباماً حالياً بالترويج لما تصفه بحالة «التعافي الاقتصادي المتسارع»، لكن بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين الأمريكيين - وخصوصاً بعد خمس سنوات من انهيار وول ستريت في 2008 - فإن تحديد مستوى «تعافيهم» الاقتصادي يتم عبر مقياس الصراع اليومي في سبيل تغطية نفقاتهم وتحصيل لقمة عيشهم
ديون تلتهم بقايا العمر
باتت الأزمة الاقتصادية تشمل الملايين من العمال حتى كبار السن منهم، حيث تشهد ديون الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و 74 ارتفاعاً يفوق من حيث سرعته أي فئةٍ عمرية أخرى وفقاً لأرقام الاحتياطي الفيدرالي. حيث حققت ديون الأُسر نمواً تجاوز (50%) خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000 و 2011.
هذا وتواصل المكاسب - غير الكافية أصلاً - التي تقدمها برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتقاعد الفيدرالي (الاتحادي) انخفاضها. الأمر الذي ينعكس سلباً على الطبقة العاملة ولا سيما فئة المتقاعدين والذين تقل - وباستمرار - نسبة من لديه راتب مضمون بينهم. وحتى بالنسبة لمن يمتلكون هذا الراتب، فليست الأمور أفضل، حيث يضطر العديد منهم للاستلاف من رواتبهم التقاعدية الأمر الذي يتضمن دفع فوائد ربوية عالية لدائنين معدومي الضمير. وكانت إحدى الإحصائيات قد أشارت في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر إلى نسبة العمال كبار السن الذين يستدينون من رواتبهم التقاعدية - بما تحتويه هذه العملية من دفع غرامات أحياناً - قد ارتفعت (28%) في نهاية عام 2012 عما كانت عليه في الفترة ذاتها من عام 2011.
ضياع الطفولة والتشظي الاجتماعي
الوضع مشابه عند شريحة الأطفال، حيث يعيش حوالي 16 مليون طفل - (22%) من مجمل الأطفال في الولايات المتحدة - ضمن عائلات يقع دخلها تحت خط الفقر الفيدرالي، وهذا وفقاً لأرقام المركز الوطني للأطفال الفقراء. وفي الإطار ذاته، تقتضي الإشارة إلى التقرير الذي أصدرته مؤسسة صندوق الطفل التابعة للأمم المتحدة والذي ذكر في إحدى فقراته التالي : «من حيث تعداد الأطفال الفقراء، فقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز 26 ضمن قائمةٍ تحتوي على 29 بلداً متقدماً»، وتقدمت الولايات المتحدة على كل من ليتوانيا ولاتفيا ورومانيا في حين سبقتها اليونان.
نبقى في الإحصائيات، وننتقل هذه المرة لنستعرض أرقام المركز الوطني للتعليم لنجد أن (1.3) مليون طالب يتركون المدارس الثانوية سنوياً، إضافةً إلى أن نسبة الطلاب من ذوي الدخل المحدود الذين يفشلون في التخرج تفوق بستة أضعاف نسبة أقرانهم من ذوي الدخل المرتفع.
أما بالنسبة للطلاب الذين يدخلون إلى الجامعات، فإن معاناتهم من القروض الدراسية الخانقة لا تزال تزداد، حيث سجلت نسبة الطلاب المدينين من فئة الـ 25 عاماً ارتفاعاً من (25%) إلى (43%) في الفترة ما بين عامي 2003-2013.
وفيما يخص قضيّتي الزواج وامتلاك المنازل، فقد ارتفعت تكاليفهما بشكل كبير تحت ضغط عامليّ البطالة والأجور المتدنية، حيث وصلت معدلات امتلاك المنازل إلى أدنى مستوى لها منذ 18 عاماً. ويجري هذا بالتزامن مع ارتفاع نسبة الأطفال الذين يولدون لأبوين غير متزوجين من (31%) في 2005 إلى (36%) في 2011 طبقاً لأرقام مكتب الإحصاء السكاني التي نُشرت هذا الأسبوع. وقد نوّه هذا المركز إلى أن : «الأطفال المولودين لأبوين غير متزوجين هم أكثر عرضةً للعيش في حالة فقر». ومن الجدير بالذكر هنا أن نسبة العائلات الفقيرة المتكونة من أمهات عازبات وأطفالهن قد بلغت (42.3%) حسب أرقام مشروع العينات لعام 2010.
شريحة «العمال الفقراء»
إن معدل الفقر الحالي في الولايات المتحدة – والذي يبلغ (16.1%) – هو الأعلى منذ عام 1965. وحسب «مقياس الفقر الإضافي» الذي يحدده مكتب الإحصاء السكاني، فإن ما يزيد عن (48%) من السكان الأمريكيين هم إما فقراء أو أقرب إلى الفقراء. وهؤلاء «الأقرب» هم أولئك الذين يعجزون عن مجرد كسب ضعف الحدّ المادي الذي رسمه الخط الرسمي للفقر في أميركا.
وبالحديث عن الفقر، فلا بدّ من تفنيد تلك المغالطة القائلة بأن «الفقر لا يصيب إلا من لا يعمل». وسنعتمد في تفنيدنا لها على أرقام مكتب الإحصاء السكاني مجدداً، حيث سجّل المركز ارتفاعاً دراماتيكياً بنسبة السكان المصنفين تحت مسمى «العاملون الفقراء» من (5.1%) في 2006 إلى (7%) في 2011. الأمر الذي يعني أن ربع الفقراء الأمريكيين – أي حوالي 10.4 ملايين مواطن – ليسوا عاطلين عن العمل. هذا وتندرج معظم فرص العمل الجديدة ضمن قطاع الصناعات الخدمية ذات الأجور المنخفضة، وامتد هذا الأمر ليطال عمال التصنيع الذين لم تعد أجورهم الساعية – في كثيرٍ من الأحيان – تتجاوز سقف العشرة دولارات.
من المعروف أن للفقر تأثيرات سلبية تطال مختلف المجالات، لذا فلنضئ قليلاً على مجال الرعاية الصحية، حيث بيّنت إحدى الدراسات مؤخراً أنه وفي فترة معينة من عام 2012، عجز حوالي 80 مليون شخص بالغ - ما يقارب (43%) من السكان - عن الحصول على الرعاية الطبية اللازمة لهم وذلك لعدم استطاعتهم تحمل تكاليفها.
الحقيقة المُغيبة
وبعد كل هذا، فإن وسائل الإعلام الأمريكية - الخاضعة لنفوذ كبار الأثرياء - لا تزال مصرةً على التعامل مع هذه المشاكل الاجتماعية الكبرى بأسلوب التجاهل والتعامي. ولكي لا يُعتبر كلامنا هذا تجنياً منّا على هذه الوسائل، فسنستشهد بدراسةٍ حديثة صادرة عن (مركز بيو للأبحاث)، فقد أشارت إلى أن النسبة التي خصصتها وسائل الإعلام لتغطية قضية الفقر بلغت (خمسة من واحد بالمئة فقط)!! ويؤكد متابعون ومهتمون بالشأن الإعلامي أن هذه النسبة لم تصل يوماً إلى (1%) من مجمل التغطية الإخبارية !!.
اليوم، وعوضاً عن القيام بإجراءات وتدابير عاجلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة، فإننا نشهد منافسةً حقيقية بين كل من الديمقراطيين من جهة والجمهوريين من جهة أخرى - وبقيادةٍ «أوبامية»- على تخفيض الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومختلف البرامج الاجتماعية الحيوية الأخرى.
• (عن موقع دراسات العولمة : Globalresearch.ca)