الطريقة المثلى لتفادي الأزمة المالية في أوروبا !
استضاف برنامج «حديث اليوم» سيرغي خيستانوف المدير التنفيذي لمجموعة شركات « ألور» الذي تناول بالتحليل الوضع المالي العالمي واحتمالات تفاقم الأزمة المالية العالمية في المستقبل القريب . وقد أجاب مشكورا عن أسئلة مندوبنا :
• هل نحن الآن أمام مرحلة جديدة من الأزمة المالية العالمية، والى أين يسير الاقتصاد العالمي؟
اعتقد أن الأزمة المالية العالمية ستتفاقم، على الأرجح، والمشكلة المستعصية تكمن في أزمة الديون الأوروبية. وللأسف فقد أدى ظهور اليورو إلى تراكم ديون الدول المتعثرة مع مرور الوقت، ولا احد يعرف كيفية التعامل مع هذه الديون. ومن وجهة النظر الاقتصادية فالأسلوب الأمثل هو إفلاس الدول المتعثرة لضمان العودة إلى تحول متوازن. ولكن هذا القرار يتطلب إرادة سياسية صُلبة ولا يعكس على حد سواء مصالحَ حكومات الدول الغنية ومصالح حكومات الدول المتعثرة، وهذا ما يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية الحالية.
• كيف يمكن إنقاذ أوروبا من الأزمة المالية الحالية وخاصة إسبانيا واليونان؟
الطريقة المثلى هي الخروج من منطقة اليورو وبعدها سوف تُحل كل مشكلات الميزانية. أما ايجابيات هذا القرار فتكمن في انه سيبدأ بعد الصدمة الأليمة النمو الاقتصادي، أما سلبياته فتتمثل في أن غالبية سكان الدول المتعثرة سيصبحون فقراء في غضون لحظات، وإضافة إلى ذلك سوف يؤدي تعويم العملة الوطنية إلى زيادة القدرة التنافسية الاقتصادية للدول المتعثرة.
• إلى أين تسير اليونان في ظروف الأزمة المالية التي تعصف بها، وما هي احتمالات انتشار الأزمة إلى دول أخرى؟
المشكلة الرئيسية لليونان تكمن في أوضاع البلاد نفسها. فمن جهة لا يمكن الاستمرار في السياسة الاقتصادية السابقة، ومن جهة أخرى، فان الاصطلاحات التي يجب الإقدام عليها مؤلمة للغاية، وسلطات البلاد عجزت عن تطبيقها. ولذا، فإن الوضع الاقتصادي الحالي سيستمر حتى اتخاذ قرار مصيري وحاسم، على الأرجح ستخرج اليونان من منطقة اليورو. وعلاوة على ذلك، سيكون ذلك مفيداً للاقتصاد اليوناني والمشكلة تكمن في أن السياسة الأوربية كانت تتطور خلال السنوات الخمس عشْرةَ الأخيرة تحت شعار التكامل الأوروبي. لذا، سيكون انسحاب أية دولة من منطقة اليورو عاملا مؤلما سياسيا للساسة الأوروبيين الحاليين، وهنا نرى تناقضا واضحا وجليا بين مصالح الاقتصاد والسياسة. على اي حال، إن انسحاب اليونان من منطقة اليورو سوف يؤدي إلى رفع القدرة التنافسية لمنطقة اليورو. حقا أن اليونانيين سيصبحون فقراء من جهة، ولكن من جهة أخرى، سيؤدي هذا أيضا إلى استعادة القدرة التنافسية في الاقتصاد اليوناني.
• لماذا لا تتحرك دول أوروبية فاعلة مثل ألمانيا لإنقاذ أوروبا من الأزمة المالية؟
المشكلة الرئيسية تكمن في أنه عندما تم إصدار العملة الأوربية الموحدة لم يتم تشكيل هيئات أوروبية مالية موحدة تحدد سياسة جمع الضرائب وإصدار النقود وغيرها. وهذا التناقض موجود العملة المشتركة الحالية في الوقت الحاضر.ان حكومات الدول الغنية وقبل كل شيء الحكومة الألمانية وجدت نفسها في وضع حرج من جهة. ومن جهة ثانية، لا بد من تقديم المساعدة إلى الدول المتعثرة. ومن جهة ثالثة، يبدي دافعو الضرائب الألمان قلقهم ومعارضتهم. وهذا التناقض بين المصالح الاقتصادية الأوربية المشتركة من جهة، ومصالح مواطني تلك الدول يؤثر على وضع الساسة الألمان الحاليين. وعلاوة على ذلك، فقد أدى هذا التناقض في عدة بلدان إلى تغير الرؤساء مثلما حصل في فرنسا مؤخرا. وستجري الانتخابات في ألمانيا بعد سنة تقريبا فإذا استمرت الحكومة الألمانية في تقديم المساعدات إلى الدول المتعثرة فهذه الحكومة كما يبدو سيتم تبديلها.
• لماذا ترفض ألمانيا بشدة العرض بإصدار سندات أوروبية مشتركة، وما مدى نجاعة فكرة تأسيس هيئة رقابية من البنك المركزي على البنوك الأوروبية، وتأسيس صندوق مشترك أوروبي للديون المتعثرة؟
السبب الرئيسي لمعارضة ألمانيا لفكرةَ تأسيس هيئة رقابية في البنك المركزي على البنوك الأوربية يكمن في أنها قد تؤدي إلى زيادة تكاليف خدمة الديون في ألمانيا نفسها. وعلاوة على ذلك، فهذه الفكره غير عادلة من حيث المبدأ، لأن الدول غير المتعثرة ستُضطر إلى دفع نفقات الدول المتعثرة. وهذه الآلية مهلكة وقد تؤدي إلى انهيار منطقة اليورو لا محالةَ في حال تطبيقها، ولا يمكن إزالة هذا التناقض إلا عبر تأسيس وزارة مالية أوروبية موحدة أو مشتركة. لو تم ذلك لكانت جميع مشكلات منطقة اليورو قد انتهت، ولكن من أجل ذلك يجب على الحكومات الوطنية أن تتخلى عن جزء من سيادتها. طبعا هذه الخطوة مؤلمة سياسيا. وهناك سيناريوهان أمام منطقة اليورو: الأول الانهيار، والثاني تأسيس وزارة مالية أوربية موحدة أو مشتركة.
• ما هو مستقبل الاقتصاد الروسي في ظروف الأزمة المالية العالمية؟ وماذا ينتظرها في السنوات الخمس المقبلة؟
الاقتصاد الروسي يعتمد على موارد الطاقة وأسعار النفط قبل كل شيء، فعندما ترتفع أسعار النفط يزدهر الاقتصاد الروسي وعندما تنخفض الأسعار تبدو ظواهر الأزمة في الاقتصاد الروسي. أما أسعار النفط فهي تتعلق بعاملين: الأول هو الطلب على النفط لأنه في ظروف الأزمة ينخفض الطلب على الذهب الأسود بعض الشيء، ومن جهة ثانية التوتر حول بعض الدول مثل سورية و ايران يحافظ على المستوى العالي لأسعار النفط وهناك عامل آخر يحافظ على هذه الأسعار وهو إصدار الأموال من الاقتصادات الكبيرة، حيث تقوم كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أثناء اتخاذ الإجراءات لمواجهة الأزمة بإصدار الأموال، ما يؤدي إلى زيادة التضخم وارتفاع أسعار الأوراق المالية وموارد الطاقة ومنها النفط قبل كل شيء. وإذا تذكرنا الأسعار العالية للنفط في سبعينيات القرن الماضي فقد تزامن ذلك مع التضخم والركود الاقتصادي، حيث كان الاقتصادان الأمريكي والأوروبي في حالة ركود، والتضخم في ارتفاع. وكانت هذه العوامل سببا في ارتفاع أسعار النفط مما أدى إلى نمو الثروات المالية في الدول المصدرة للنفط وتلك الأوضاع تتكرر الآن إلى حد ما. ويبدو أننا سنشهد أسعارا مرتفعة في الفترة القادمة وخلال السنوات السبع المقبله.
• هل هناك تأثير للربيع العربي على الأزمة العالمية؟
على امتداد التاريخ تتكرر الأحداث ولكن بصورة مغايرة، لأن العالم يتغير ولكن بشكل فلسفي وما يحدث الآن في العالم العربي، بالأخص وفي السياسة الأوربية والاقتصاد العالمي تذكرنا بالتضخم والركود في سبعينيات القرن الماضي. والتضخم الذي حصل في السنوات العشر الماضية ارتفع أكثر بخمس مرات، وجرت الأحداث الاجتماعية المثيرة، التي حصلت. فلنتذكر معا أحداث عام ثمانية وستين، التي وقعت في فرنسا، ونفس هذه الأحداث حصلت في الوطن العربي بعد الحرب العربية الإسرائيلية. كل تلك الأحداث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط وفي عام ثلاثة وسبعين ارتفعت أسعار النفط أربعة أضعاف، ما أدى إلى ركود في اقتصاد الدول المتطورة ومن جهة أخرى ارتفع دخل الدول المصدرة للنفط إلى مستوىً عال. وهذا أدى إلى ارتفاع تأثير منظمة اوبيك وارتفاع تأثير المصدرين. وهذه المرحلة استمرت ما يقارب عشر سنوات. وترافقت بغنىً ملحوظ للدول العربية وارتفاع مستوى اقتصادها. وللأسف فإن مثل هذه المرحلة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية مع الحركة السريعة للأسعار. اعتقد انه من الممكن أن تتيح الأزمة الحالية امكانيات جديدة لتحديث الاقتصاد في الدول العربية والاقتصاد الروسي لان النتيجة الحتمية للركود هي زيادة أسعار الأصول الحقيقية والنفط قبل كل شيء.
• هل يمكن أن ينهار اليورو؟
نعم يمكن أن ينهار اليورو وإذا جرى ذلك يجب على السياسيين الأوروبيين أن يستقيلوا، ولكن للأسف بسبب استخدام التسامح السياسي فإن المسؤولين لا يستطيعون أن يتخذوا قرارات حاسمة وقاسية مثل إنشاء وزارة مالية أوربية موحدة وإذا افترضنا إن الساسةَ الألمان والفرنسيين لم يستطيعوا اتخاذ هذه الخطوات فيجب عليهم تقديم استقالتهم من أجل دولهم ووحدة أوروبا . وبهذا الشكل يمكن الحفاظ على اليورو وإذا تابعوا السياسة، التي يتبعونها في الفترة الأخيرة فالنتيجة حتمية: منطقة اليورو ستتفكك حتى لو تم ذلك ببطء وغالبية دول أوروبا ستعود إلى عملتها الوطنية.