الفساد في الأردن! «غاية ومسعى الفاسدين أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته»
الاحتجاجات الجماهيرية والثورات الشعبية التي قامت في بعض البلدان بسبب الفساد الذي نراه اليوم يتجسد على أرض الواقع في أغلبها فإن ذلك لا يعني أن البلدان الأخرى بعيدة عنها وأن هناك اختلافا بينها وبين تلك البلدان التي هزتها الجماهير الثائرة وبالتالي لن يكون «الاردن» حالة شاذة فهو بسبب الفساد المستشري فيه مؤهل تماما لمثل هذه الهزات الجماهيرية التي تندفع كالحمم بعد انفجار البركان.
غيض من فيض الفساد
على الرغم من أن الحد الأدنى للأجور في الاردن يشكل خمسة أضعاف حده لدينا في سورية إلا أن الفساد المستشري فيه لا يقل عنه في سورية أضف الى ذلك أن الاسعار فيه محلقة بعيدا في الفضاء ويعاني الشعب الاردني مثلنا من عدم توفر العدالة في توزيع الثروة،والذي يسببه الفساد فقط.
لقد أصبح الفساد في الأردن ثقافة ومنظومة اجتماعية سياسية اقتصادية متكاملة تزداد كل يوم قوة وشراسة. ثقافة طغت على الأخلاق وقلبت الحقائق فأصبح الفاسد حقاً وحقيقة وقوة وأصبح النظيف ضعفاً وتخاذلاً وجبناً لا حول ولا قوة له.
فقد تكالبت قوى الشر والفساد في القطاع العام والخاص على الشعب الأردني، وكان أن خسر الأردنيون 28 مليار دينار في فضيحة سوق الأوراق المالية, وتراكمت ديونه ووصلت الى 21 مليار دولار إضافة الى خسارة كافة الشركات الإستراتيجية التي كانت تملكها الدولة ، وتم رفع الدعم عن معظم السلع المدعومة سابقا ، وفرضت أعلى ضريبة مبيعات في العالم وأكبر عدد من الضرائب والرسوم أيضاً، وهكذا تكون المعركة التي شنتها قوى الفساد ضد الشعب الأردني، قد نجحت تماماً في وضع الأردنيين على شفير الإفلاس.
ومن القضايا الاقتصادية الهامة التي فتحت ملفاتها قضية كازينو البحر الميت التي تعود إلى عام ٢٠٠٧ إبان فترة حكومة رئيس الوزراء معروف البخيت الأولى حيث وقعت حكومته على اتفاقية مع شركة يملكها مستثمر بريطاني لتنفيذ مشروعي كازينو في منطقتي البحر الميت والمعبر الشمالي على الحدود مع فلسطين المحتلة قبل أن تقرر إيقافها ليتورط الأردن في دفع الشروط الجزائية المترتبة عليه في حال إلغاء الاتفاقية وهي غرامات تصل لما يقرب من 1.4 مليار دولار. ومؤخرا تم استدعاؤه للإدلاء بشهادته في قضية الكازينو أمام رئيس دائرة ادعاء عام عمان .
كما تم مؤخرا اعتقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الأردنية بتهمة تبييض وغسيل الأموال وخيانة الأمانة الوظيفية مما يعيد إلى الأذهان اعتقال الرئيس الاسبق الذي شغل في وقت سابق منصب رئيس هذا الجهاز ونسبت إليه تهم تتعلق بتورطه بقضية التسهيلات المصرفية التي أدت لأزمة في عدة بنوك فيما انهار أحد هذه البنوك بسبب القضية.
وفي قضايا أخرى شهدها مسلسل الفساد في الأردن خلال عشر السنوات الأخيرة وكان أطرافها عدة شخصيات بارزة ومعروفة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وقد يكون من المناسب الإشارة إلى قضية رجل الأعمال الأردني الذي كان واحدا من ٤ أشخاص متورطين في قضية عطاء توسعة المصفاة الأردنية وهم المستشار السابق في رئاسة الوزراء, ومدير عام الشركة, ورئيس مجلس إدارة المصفاة وكان وزيرا وأدين المتورطون بتهم الرشوة واستغلال الوظيفة العامة.
هل ستفتح ملفات الفساد؟
شائك هو وضع مكافحة الفساد في الأردن وخصوصاً بعد أن شهد البرلمان الأردني مؤخرا تصويتا على حل لجان التحقيق والفساد والتي أحالت قضايا مثل قضية الكازينو إلى القضاء انتهى إلى قرار «فرط» اللجان في ما اعتبره بعض النواب «تزويرًا» واضحا وتلاعبا داخل المجلس لمصلحة المفسدين والتستر عليهم، فإلى أين قد تتجه عملية مكافحة المفسدين في البلاد؟، إنه سؤال صعب والإجابة عليه أصعب؟!،
فالحراك الأخير سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي ينبئ بأن ملفات الفساد في الأردن لم تُفتح ولن تفتح على ما يبدو في الأفق المنظور، فعندما يستشري الفساد في أوصال الدولة عادة ما تقف في وجهه تيارات إصلاحية تعمل على إيقاف مدّه وبتر جذوره وهي إما أن تكون أحزابا سياسية وطنية فاعلة وقائمة على أرضية شعبية واسعة ولها برامجها وأهدافها ولديها وسائلها وأدواتها للمشاركة بالحياة السياسية والتفاعل والتعامل مع المشكلات التي تعصف في البلد خاصة إذا كانت متمثلة في البرلمان ، أو مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات وجمعيات، من شأنها امتلاك خطاب فكري سياسي مقنع وفاعل تعمل على تفعيله في الأزمات السياسية إضافة إلى خدماتها المهنية والحقوقية والثقافية، أونخبا ثقافية وفكرية متسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة والفكر، تعمل على التغلغل في الشارع الشعبي بأفكارها وفلسفاتها وتوجهاتها وأيديولوجياتها موجّهة بذلك الرأي العام ككل نحو الحرية أو الديمقراطية أو العلم أو نبذ العنف أو الوحدة الوطنية أو القومية وغيرها من الأهداف التي قد تفرض نفسها كأولوية وفقا لمتطلبات المجتمع بناء على مرحلة معينة ومعطيات محددة.
ملفات الفساد لن تفتح لأن أجهزة الدولة من رأسها لأخمص رجليها غارقة في هذا الفساد وسابحة في تياره ،إن فتح ملف الفساد لا يعني ذهاب الفاسدين فقط بل وذهاب السلطة السياسية معهم ، فملفات الفساد ستطال الكل دون استثناء، مما يجعل من مصلحة هذا الكل أن تبقى تلك الملفات الملطخة بدموع الشعب الجائع المقهور، حبيسة خزائن التكتم ورهينة أدراج السرية؛ لأن فتح تلك الملفات سيفصح عن أسماء لا يمكن لها أن تدخل قفص الاتهام أو تتعرض للتحقيق وسيربك الدولة التي اعتادت تسفير وتهريب المتورطين في الفساد حتى لا يشي من يقع في مصيدة المساءلة والمحاكمة بشركائه في الجريمة.