المراوحة بين الاحتلال الظاهر والمبطن 3-3
..... إن العدو المحتل يقدم الدعم لعملائه كما هم أيضاً يقدمون ما لديهم له، ويجري ذلك على النحو التالي: إظهار صنائع الاحتلال كأنهم لا يريدون منح الجنود الأمريكيين الحصانة، وهي حصانة تحمل من البشاعة ما يفوق الوصف، وإن تحققت علناً تكون على طريقة وهب الأمير لا يملك، إنهم اقترحوا على الأمريكيين منح الحصانة عبر حلف شمال الأطلسي/ الناتو.
وكل هذه الضجة على الصعيد الداخلي بهذا الصدد من أجل وصف من يثق الاحتلال به حالياً ويدعمه بأنه رجل العراق والممانع القوي. ومن جانب آخر الموقف المعلن يُظهر الأمريكي وكأنه متعفف عن البقاء في العراق إلا بشرط منح الحصانة. إن أمريكا هي القوة الإمبريالية الوحيدة في العالم اليوم التي تحتفظ منذ الحرب العالمية الثانية بـقواعد عسكرية على امتداد الكرة الأرضية وبالملايين من العسكريين، وهي لا تتعفف عن الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وهي توسع ذلك الحضور بآخر صيحات تكنولوجيا التدمير «الدروع الصاروخية الأمريكية المضادة للصواريخ– الطبعة الجديدة لباراك أوباما، الديمقراطي».
إن الحكومة العميلة حكومة اللصوص والجريمة المنظمة تقسو على العراقيين، حيث يُخطط لتلك الحكومة لتكون بالواجهة في الاصطدام مع أبناء الشعب على مختلف الصعد مما يجعل المحتل وكأنه غائب عن الصورة، أو لا دخل له في كل تلك الجرائم، فهي التي تعين الموظفين، وهي التي تمنح الامتيازات غير المشروعة والمشروعة إن وجدت، وهي التي تداهم بيوت الأبرياء وتشيد السجون والمعتقلات، وهي التي تمارس القتل والجريمة والابتزاز وكل ما يشعل غضب المطالبات العادلة من حكومة الاحتلال، وهذا أمر موضوعي في التعامل مع الحكومات التي يعينها كل محتل بصورة مباشرة أو عبر الخدع التقليدية والمبتكرة. إن الحكومة خلال فرض المزيد من التعاسة والتمييز في حياة الشعب تحاول عن قصد إخفاء جرائم كل أسيادها وأولهم المحتل، وحين تلقى عليها تلك الجرائم مباشرة، تستهدف من ذلك أن يتوجه الناس بمطالبهم إليها لفرض بعض الهيبة الإجرامية لها، التي تنطوي موضوعياً على بعض الاعتراف بها في جانب، ومن جانب آخر تحقق الهدف المطلوب منها، وهو ضمان خدمة الاحتلال على صعيد تحسين صورته من خلال زرع وهم أن الاحتلال أقل جوراً من صنيعته الحكومة العراقية. إن الحكومة تتحرك تحت أوامر المحتل وبعض «تحالفاتها» الإقليمية، ومن عُقد النقص التي يسعون إلى تغذيتها للتخفف من وطأتها إلى جانب طبعاً أدوارهم المرسومة ظناً منهم أن هذا الوضع يمنحهم هيبة زائفة بأساليب رخيصة من خلال المزيد من الانحناء أمام الغزاة، ورفع الرأس والأنف على أبناء الجلدة، هذا إلى جانب السعي لرفع درجات أرقام حساباتهم وأطيانهم خارج الوطن، ولحد ما في داخله.
تمارس السلطات حالياً حملة اعتقالات واسعة لضباط سابقين ولأعضاء من حزب البعث من دون أوامر قضائية، وإنما بتعليمات أمنية. وإن تلك الاعتقالات أخذت طابعاً طائفياً لا تُخطؤه العين، وهذا يؤكد أن الحكومة تلعب بالنار على حساب وحدة الشعب ومستقبله، وربما هذا هو المطلوب منها بأن تتخذ إجراءات من هذا النوع على طريق إثارة الرعب والعبث باستقرار العراق وأمن شعبه، وربما يأتي كل ذلك بموجب المواد الفعلية لاتفاقية الإطار الاستراتيجي للتعاون السياسي والدبلوماسي والدفاعي والأمني والاقتصادي والعلمي والثقافي والتنموي بين المحتل وخدمه، تلك الاتفاقية غير متكافئة في كل الأحوال وعلى أقل وصف له.
نحن نواصل موقفنا المبدئي الذي يقوم على مبدأ تُحريم التصفيات الجسدية من أي طرف كان ضد أي طرف آخر، وهذا ينطبق حتى على الذين تواطؤوا مع المحتل دون ارتكاب جرائم دموية والإيغال في القتل والسرقة والتشريد وانتهاك الحرمات وإذلال الآخر، وذلك حين يُحل يوم التحرير الكامل. وفي كل الأحوال نحن ندعو في كل الظروف والأوقات إلى معالجة قضائية بيد قضاة مهنيين، وتحت راية التسامح وخلق تقاليد جديدة غير متوحشة وتليق بشعب عريق علّم الدنيا طريقة وضع القوانين. إن تطهير النفوس من الغل والحقد ونزعات الانتقام باتت حاجة وطنية وإنسانية ومن أقوى أسلحة إعادة الروح إلى بلد يراد قتل روحه وكرامته من أكثر من طرف بعيد وقريب، وسوف نبقى مخلصين لمواجهة الفكر بالفكر والسياسة بالسياسة والدعاية بكشف الحقائق بمعنى عرض الأحداث كما وقعت والمعلومات كما هي، ولا يوجد طرف من حقه أن يلغي دور الشعب العراقي في انتزاع أي مكتسب تحقق في أي فترة كانت، وإن المكاسب لا يُمكن أن تكون إحساناً من هذا الطرف أو الحزب أو الشخص أو ذاك، إن المنجزات هي ثمار وحدة قوى الشعب الحية ونضالها المجيد والهزائم والكوارث والتسلط الداخلي والخارجي هي من الثمرات المرة للتناحر الداخلي، والشواهد على ما نقول لا حصر لها.
إننا اليوم كما في الماضي ضد حكم الحزب الواحد أو الدين الواحد أو القومية الواحدة أو الطائفة الواحدة، خاصة في البلدان المتعددة بطبيعة تكوينها، أي التعددية من حيث تكوينها الاجتماعي والتاريخي، وضد دكتاتورية الأكثرية حتى في ظل انتخابات عامة وشفافة ونزيهة. فما بالكم بموقفنا تجاه إقصاء الآخر وتصفيته جسدياً أو اجتثاثه وحرمانه من حق الحياة مهنياً أو الانتقاص من حقوقه المدنية والإنسانية، إنها الوحشية المتخلفة وغير البناءة والمتعطشة للانتقام وإذلال الغير. إن الحكم في بلدنا اليوم هو عار على كل المشاركين فيه والمتعاطفين معه والمساهمين في صنعه، إنه العار التاريخي للاحتلال، إن أي مثقف حر يخجل من هذه الهمجية المنطلقة من عقالها، بهكذا نهج ووسائل لا يُمكن بناء نظام راسخ، ولا يُمكن موضوعياً النجاح حتى في بناء زريبة وليس وطناً. إن سجل المحتل في العراق يُشكل فضيحة صارخة ضد كل إدعاءاته، ولهذا فإن موقف واشنطن من الربيع العربي يُأخذ بمزيد من الحذر والشك، وفي أحسن الأحوال يُنظر إليه كمجرد انحناءة أمام غضب الشعوب في ظل مصاعب الغرب عامة، التي تتمثل بالأزمة المالية والدرجات العالية من الركود والديون.
تأتي تلك الإجراءات الحكومية الرعناء في وقت ينتظر فيه الشعب العراقي أو يتمنى إجراءات جادة وحازمة لاستعادة أمنه واستقراره وتوفير فرص العمل وإعادة المهجرين وإفراغ السجون والمعتقلات وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وتفريغ الاحتقان الطائفي ومواجهة الأفكار الطائفية المتطرفة والمنحرفة ومعالجة الوضع العراقي بالإصلاح والاحتواء وليس بالإجراءات التعسفية.
يوجد لديهم اليوم أكثر من سيناريو من أجل خلق حالة من عدم وضوح الحالة في النظر إلى الأحداث، ولكن الحقيقة التي سوف تُعلن عن نفسها أن الانسحاب سيكون شكلياً، والانسحاب الحقيقي لن يكون إلا على أيدي أبناء الشعب الأوفياء، وعبر النضال الوطني بكل أشكاله، من أبسطها إلى أعلاها، والوهم طريق الواهمين إلى الهاوية.
لم يعط الإعلام العالمي والعربي والعراقي أهمية تذكر لتصريح الرئيس الأمريكي أوباما حول سحب القوات الأمريكية كافة من العراق بحلول نهاية العام الجاري، وذلك بسبب آلاف الأسئلة التي تحوم حول تلك التصريحات والشك في جديتها على أرض الواقع.