من حادثة «البديوي» إلى دور الجيش العراقي

من حادثة «البديوي» إلى دور الجيش العراقي

أطلقت عملية قتل الأستاذ الجامعي والصحافي، محمد بديوي، معركةً إعلامية على طول البلاد وعرضها. إذ جاءت الجريمة في لحظةٍ تلفظ فيها العملية السياسية الفاسدة أنفاسها الأخيرة، ويكتنف الغموض العملية العسكرية ضد «داعش»، إضافة إلى قرب موعد الانتخابات وبدء معركتها بأدواتٍ قذرة

وما بين محاولة تهريب القاتل، وتطويق قوات عمليات بغداد للفوج الرئاسي وانتفاضة سكان المنطقة، احتجاجاً على ممارسات هذا الفوج المعيبة ضد سكان الحي، جرت اتصالات شابها التهديد والتهديد المضاد انتهت بتسليم الضابط المجرم للجهات القضائية المختصة.
وقد قمنا برصد تداعيات الجريمة مباشرة، منذ لحظة تواجدنا مع مجموعة من السياسيين والصحفيين مساءً في موقع الجريمة. حيث قام سكان الحي بعرض شكواهم بحرقة من ممارسات هذا الفوج، كما أعرب عدد من المتواجدين عن أن هذه الممارسات التي تمتهن كرامة المواطن العراقي وتعرض حياته للخطر، هي ظاهرة عامة حيث تشمل القوات الأمنية وحراسات المسؤولين ومواكبهم المستهترة.
وما إن أعلن في الأخبار عن اعتقال المجرم، حتى بادر المواطنين إلى جلب الماء والتمر للمتواجدين حول دائرة الشموع الموقدة في مكان القتل والاستشهاد. شمل الرصد لاحقاً ردود فعل الأوساط الاجتماعية في المقاهي البغدادية، وسيارات الأجرة وغيرها. حيث أدان الجميع الجريمة التي حاولت استهداف الأخوَّة العربية الكردية. ومن الجدير بالذكر هنا، هو المشاركة اللافتة للقوى اليسارية أحزاباً وشخصيات، وإدانتهم واستنكارهم للجريمة، والمطالبة بالكشف عن قتلة باقي الشهداء من مناضلين وصحافيين.
أما القوى الطائفية والعنصرية الحاكمة، فقد انخرطت في معركةٍ إعلامية استخدمت فيها كل ما تملكه من وسائل وأبواق رخيصة مدفوعة الثمن، لتشتعل حملة إعلامية هستيرية متاجرة بدماء الشهداء. وتبنى كل من الفريقين، الطائفي والعنصري، خطاباً يبرئ نفسه من الجرائم ويتهم الطرف الثاني بارتكابها. ففي الوقت الذي التزم فيه أصحاب الخطاب الطائفي الصمت على جرائم اغتيال المثقفين كامل شياع وهادي المهدي وهادي صالح، خصوصاً وأن أصابع الاتهام تشير إليهم بارتكابها، قابلهم أصحاب الخطاب العنصري بالتزام الصمت عن جرائم اغتيال سردشت عثمان وكاوه كرمياني وهم المتهمون بارتكابها كذلك. بل وصل الاستهتار بدماء شهداء الصحافة، أن يكتفي الخطاب العنصري بذكر واقعة قتل الشهيد، محمد بديوي، بسطر واحد من مقال مكرس بكامله للهجوم على الطرف الطائفي، وهو ما قام به الطرف الآخر أيضاً.
إن الحوارات التي أجريناها لتقييم الخطاب الإعلامي للطرفين، وهي حوارات شملت أكاديميين ويساريين وناشطين في موقع مختلفة، توصلت إلى نتيجة مفادها أنه إذا كان من المتوقع أن يسقط طرفا الصراع الطائفي – الإثني في مستنقع الخطاب المتاجر بدماء الشهداء، فما الذي حدا بأناس يدعون الانتماء الشيوعي والديمقراطي أن يلتحقوا بهما؟
لعل أخطر دلالات ردود الفعل على حادثة قتل الأستاذ محمد بديوي، هي إمكانية انهيار الجيش العراقي وانخراط مكوناته المليشياوية الطائفية الاثنية في صدام مسلح، ومن ثم تعريض المجتمع إلى مخاطر الانزلاق في حرب أهلية. بينما الطريق الآمن المجرب الوحيد لتدارك وقوع ذلك، هو إعادة بناء الجيش العراقي على أساس الخدمة الإلزامية الوطنية، المحدَّد بعام واحد غير قابلة للتمديد، مع حق المجند في الاستمرار في الجيش كمتطوع، وتطهير الجيش من ضباط الدمج المليشياوي، والمتطوعين الجهلة المأجورين بميزانية ضخمة، على حساب مصالح وحقوق الكادحين والفقراء.

صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي