الإسلام «المعتدل» إذ يدير الدفة؟!

الإسلام «المعتدل» إذ يدير الدفة؟!

ينجح الإسلام «المعتدل» في الانتخابات التونسية والمغربية والمصرية، وتمهد لذلك وتواكبه وتثني عليه الشبكات الإعلامية العربية البترو- دولارية حتى لتكاد تتطابق في تغطيتها للانتخابات السالفة الذكر مع أكثر الخطابات خشبية، خطابات الأنظمة التقليدية التي عودتنا على تلقي الانتخابات على أنها عرس وطني..!

إزاء واقع جديد، يجتهد كثيرون ومنهم «علمانيون» و«يساريون» لتقديم التطمينات المختلفة حول «اعتدال» الإسلام إياه، وتأتي تفسيرات هذا الاعتدال في جانبين: الأول أنه ليس طائفياً البتة، ولن يرغم أحداً على دفع الجزية، وسيرحب بأهل الذمة مواطنين في دولته، ومثال ذلك هو السعودية..!، أما الجانب الآخر فيتمثل بأن هذا الشكل من «الإسلام» معتدل لأنه ليس متطرفاً في معاداته لإسرائيل ولأمريكا وللغرب كما حال المتطرفين في حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والمقاومة العراقية!!

بالمقابل، تسعى الأنظمة التي لما تسقط بعد إلى تخويف الناس من مآلات التغيير بتضخيم شبح الإسلام السياسي، ولا شك أنهم محقون بجزء مما يقولون في هذا الخصوص، ولكنه حق يراد به باطل، يراد من خلاله تكريس الأوضاع القائمة ومحاولة إغلاق الباب أمام أي إمكانية لتغيير جدي.. وقبل مناقشة هذا وذاك لعل من المفيد تقصي الأسباب الكامنة وراء وصول الإسلام «المعتدل» إلى السلطة، ومن ثم قراءة المصير المتوقع لهذه القوى..

استمرت قوى الإسلام «المعتدل» وعلى رأسها الإخوان المسلمون في لعب دور القوة الثانية في كل بلد من البلدان العربية التي وجدت فيها، واستفادت دائماً من «المظلومية التاريخية» التي كرستها بحقها الأنظمة العلمانية في تمثيلية مشتركة برزت بقوة في مصر ما قبل الثورة، حيث تُحظر جماعة الإخوان المسلمين وتدير الدفة في الوقت نفسه..! وحافظت تلك القوى على موقعها كقوة ثانية مع مظلومية تاريخية، لكي تؤمن البديل الوهمي عند أي تغير مقبل وهذا ما حدث.. حيث اضطرت أمريكا ومنظومتها إلى استبدال أدواتها القديمة تحت ضغط الجماهير العربية المتصاعد، والتعويل على استمرار هذه الأدوات في إدارة الدفة قدر المستطاع بعطالة الإيهام بالتغيير.. ولكن هذا لن يطول! فعلى الرغم من أن وصول الإسلام المعتدل إلى السلطة يدلل على حجم الاختراقات والتهميش داخل المجتمعات المعنية إلا أنه يدلل من جهة أخرى على مدى عمق الأزمة الأمريكية- الأوروبية والرأسمالية عامةً، فإن التضحية بالورقة الأخيرة سيكون باهظ الثمن إذ لا إمكانية ولا وقت بعد تكشف مضمون الإسلام المعتدل المعادي للشعوب لإعادة خلق بدائل تخدم الغرب، ولعل هذا البنيان سيتداعى سريعاً على محك المطالب الاقتصادية الاجتماعية لشعوب ثائرة أنهكتها قوى النهب الداخلية والعالمية وستكتشف سريعاً أن برامجاً من نمط الاقتصاد الحر هي عامل مشترك بين القديم والجديد الوهمي، فحقيقة الأمر أن الأنظمة لما تسقط بعد! ولن تسقط حتى يتكرس سياسياً العداء لأمريكا و«إسرائيل»، واقتصادياً العداء لليبرالية ولاقتصاد السوق..