غيوم الثورة المضادة في سماء مصر
النظام السابق مازال موجودا
تؤكد الأحداث الجارية وما زالت في مصر، أنه على الرغم من تنحية الرئيس وعدد من زبانيته ووضعهم في السجون ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق المصريين والفساد الهائل الذي مارسوه، بأن النظام كسلطة حاكمة ظالمة ومستبدة ما زال قائماً ويسعى بجهود حثيثة لإحداث ثورة مضادة، هدفها المعلن إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في حياة الشعب المصري الذي خضع لسيطرة مستمرة من نظام حكم استبدادي يتظاهر بتطبيق الديمقراطية، فيما يفتقر لأبسط أسس العدالة الاجتماعية،
وهدفها المبطن الحقيقي استعادة النظام السابق لزمام الامور خصوصا أن المرحلة التي تلت تنحي مبارك عن السلطة حتى إجراء انتخابات مجلس الشعب ثم الرئاسة كانت بمفاعيلها سيئة على المصريين من الناحية الاقتصادية والناحية الأمنية التي لم يستطع من خلالها الجيش المصري والشرطة المصرية الإمساك بالملف الامني، خصوصاً أحداث ماسبيرو والهجوم على وزارة الدفاع، مما جعل جزءاً هاماً من المصريين يتراجعون عن تأييد الثورة ويترحمون على أيام زمان، وأصبح شعارهم «نريد العودة الى ما كنا عليه سابقا» خصوصاً أولئك الذين يسمون الآن بـ « أصحاب الكنبة» أي الذين لم يصوتوا وهم يشكلون نسبة 55% من مجموع الناخبين.
ظهور ملامح الثورة المضادة
ومما لا شك فيه أن وصول أحمد شفيق ومحمد مرسي للتنافس في جولة الإعادة ليس غريباً، فإذا كان الشباب وقود الثورة الحقيقيين وهم الذين قدموا الشهداء وناموا أياماً وليالٍي في ساحة التحرير تحت المطر حيناً وتحت الشمس الحارقة أحياناً حتى تنحى مبارك، إلا أنهم ما زالوا عديمي الخبرة والتنظيم ولم يتمكنوا خلال هذه الفترة القصيرة التي مروا بها من تنظيم صفوفهم وتكوين أحزابهم السياسية التي تستطيع ان تقود جماهير الشعب نحو الانتصار الساحق على قوى الردة، في حين يبدو أن أحمد شفيق استفاد كثيراً بعد رفع اسمه من قائمة العزل السياسي فتمت عمليات تزوير لمصلحته حيث يقال أن 900 ألف صوت أنزلت في صناديق الاقتراع من عناصر الشرطة لمصلحته! أضف الى ذلك أنه استفاد ايضاً من تأييد عناصر الحزب الوطني المنحل له، أما الإخوان المسلمون فلديهم تنظيم كبير قائم على الارض ولديهم ايضاً خبرة عبر تاريخهم الطويل في ميدان العمل السياسي، وكل هذا يدل على أن سحائب الثورة المضادة بدأت تظهر في الافق سواء نجح شفيق أو نجح مرسي، فالأول من بقايا النظام السابق ويناور تحت ستار حماية واستعادة الثورة، والثاني من تلاميذ سيد قطب الذي لا يعترف بمبدأ السيادة الشعبية ومنطق المساءلة، والحاكم بنظره مسؤول أمام الله عن الشعب وليس أمام سلطة دنيوية ولا يعترف بمبدأ الانتخابات العامة للرؤساء والبرلمانات إلا لأهل «العقد والحل»، أي أنه لا يوافق على مبدأ المساواة في الفرص والمساواة في حق الترشيح للجميع، بل إنه يعتبر الديمقراطية ومبدأ الانتخابات لا تنسجم مع الشريعة الاسلامية، وهي مجرد عربة للوصول الى الحكم وبعدها ينزلون منها ولن يمتطوها ثانية، وها هم يرتمون علناً مع السلفيين في أحضان الامريكيين والصهاينة، من خلال إعلانهم عن قبولهم لاتفاقيات كامب ديفيد، والى حد التعامل مع فضائيات وصحف العدو من قبل هذه الأحزاب التي تسمي نفسها أحزابا إسلامية وهاهو القرضاوي يفتي لمصلحتهم «بأن إسقاط شفيق واجب شرعي » وهو القائل « لو أن محمداً كان حياً الآن لتحالف مع الناتو» وكل هذا يعني أن المصريين سواء فاز شفيق أم مرسي سيهربون «من تحت الدلف لتحت المزراب».
إن المفهوم الشائع للثورة الهادفة لنقل سلطة الحكم السياسية للقوى الوطنية التي ستعمل على تهيئة الدولة في مرحلة انتقالية محددة المدة، نحو الحرية والعدالة الاجتماعية المنشودة، لكن هذا المفهوم في مصر لم يجر على الوجه المطلوب، مما أتاح لقوى الثورة المضادة للاستفادة من هذا الوضع للعمل من أجل استعادة سلطتها مرة ثانية، وذلك عبر إلهاء الشعب والمجتمع عن البحث في المطالب والأهداف التي قامت من أجلها الثورة ومدى تحقيقها، وقد استفادت هذه القوى من الإجراءات البطيئة للمجلس العسكري الذي يقود البلاد حالياً، (ويعتبرها شباب الثورة متباطئة جداً وغير كافية) في إحداث كم كبير من التشويش وعدم وضوح الرؤية، ساهم في بث الخوف والقلق لنفوس المصريين، وتسبب في ظهور مصطلح الثورة المضادة.
تساؤلات عن دور اليسار والطبقة العاملة المصرية
إن حقيقة ما جرى عمليا هو أنه تم تغيير بعض الوجوه دون تغيير النظام ! ولذلك فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بقوة في هذا الوضع الراهن منها على سبيل المثال: ما هي الرقابة التي تمارس على الرئيس المخلوع على الرغم من سجنه وعلى رجاله الذين مازالوا في قلب نظام الحكم حتى الآن «الجنزوري مثلاً»؟ لماذا لم تظهر نتائج التحقيقات في الحوادث الخطيرة المهمة التي يعرف المصريون من ارتكبها ؟ متى ستتم محاسبة العادلي على جرائم القمع والقتل المنظم الذي تعرض له المتظاهرون؟ ما مصير الأموال الطائلة التي سرقها مبارك وعائلته وزبانية حكمه الفاسدون؟ علماً أن زوجة مبارك زارت سويسرا مرتين من أجل التستر على هذه الأموال، ثم لماذا المماطلة في وضع دستور جديد تحدد فيه هوية البلد وحدود صلاحية السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بما فيها الرئيس حتى الآن؟
ولكن أين دور القوى اليسارية المصرية الغائبة عن الساحة وخصوصاً الناصريين؟ رغم حصول مرشحهم حمدين صباحي على المركز الثالث في الانتخابات بفارق ضئيل بينه وبين الاول والثاني!! ثم أين دور الطبقة العاملة المصرية التي تعاني الأمرّين من الواقع الاقتصادي المزري لانتشار البطالة بين صفوفها وتردي حالتها المعاشية؟ وتتساءل قوى الردة من الإخوان والسلفيين والليبراليين ايضاً، بسبب تحركات الجيش ومجلسه العسكري في منع أية اعتصامات جديدة في ميدان التحرير، والأحاديث الطويلة والمتكررة عن ضرورة عدم إعطائه الوقت والفرصة في هذه المرحلة الانتقالية، ثم يتحدثون عن البطء الشديد في محاكمة المفسدين وأتباع النظام المخلوع، وبقاء بعض أتباع النظام حتى الآن في سدة الحكم، كل هذه الامور تدل على أن شيئا ما يحاك في الخفاء، شيء يهدف لتهميش الثورة وصرف الشعب المصري عن تأييدها. وإلا ما الغاية من كيل هذا الكم الهائل من الانتقادات للجيش المصري! أهي لتقويض الدولة المصرية عبر تقويض الجيش؟ تقول الأوضاع: نعم هذا هو المطلوب أمريكيا وإسرائيليا !!.
وعلى الرغم من كثرة الاستفسارات والأسئلة وغموضها إلا أن الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عليها فقد تخلص الشعب المصري و«شبابه» المتوحد مع جيشه من الخوف المعشش في داخله لعقود، وهو الآن قادر على إيجاد الطليعة الثورية القادرة على مواجهة الثورة المضادة والمضي بعدها الى دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.