مشاريع مشبوهة
طالعتنا دول مجلس التعاون الخليجي بالإفصاح عن توجهها لتحويل المجلس إلى حالة اتحادية وكان قادة مجلس التعاون الخليجي قد أوصوا في ختام قمتهم الاستشارية التي عقدوها في الرياض يوم 14/5/2012، بمتابعة واستكمال دراسة مقترحات إقامة الاتحاد الخليجي وخصوصاً بين السعودية والبحرين.
لم يأت ذلك من فراغ فهو قبل كل شيء مشروع سعودي تباينت آراء دول الخليج العربية بشأنه، ولم يأت الاقتراح تعبيراً عن رغبة سعودية آنية بل يستند إلى أبعاد استراتيجية متعددة لا تتوقف عند المخاوف من إيران ومطامعها في البحرين، وتجد السعودية أحد أدلتها الداعمة لذلك في ضم الجزر الإماراتية الثلاث، كما أنهم يتحدثون عن أجندات قديمة ترمي إلى تسعير المخاوف من إيران بحجة مطامعها بالبحرين وخاصة أنهم يتكئون في ذلك على أن الفرس كانوا في مرحلة سابقة قد استولوا على البحرين وضموها إلى دولتهم، ومن نافل القول إن المشروع السعودي لم يأت دون دراسة مع الإدارة الأمريكية، لكنه قبل هذا وذاك مشروع يرمي إلى مواجهة الوضع الراهن في البحرين حيث يستمر الاحتجاج الشعبي وتستمر المطالبة بالإصلاح السياسي الحقيقي الذي يؤدي في صورته الملموسة إلى تأكيد أن إرادة الشعب البحريني ينبغي أن تحترم وأن تكون الانتخابات النزيهة على أرضية سيادة الحريات الديمقراطية.
إن اقتصر الأمر على اتحاد بين السعودية ومملكة البحرين فذلك يزيح الكثير من الحجج، ويصبح في حالة انكشاف كامل، أن اتحاد البحرين مع السعودية، لا يتجاوز وضع حد لمطالب شعب البحرين بدولة دستورية ديمقراطية مدنية. وعندها لن تتمكن الدعاية السعودية من نفطية مراميها قهر الشعب البحراني ووضع حد لنضاله الوطني الديمقراطي، ويبدو أن المشروع السعودي يعتمد في أحد مكوناته على أن الاتحاد سيحمل شيئاً فشيئاً تأثيرات الديمغرافيا حيث سيضعف تأثير التكوين السكاني في البحرين وسط مساحة واسعة من مكونات سكانية أخرى. ورغم التشديد السعودي على المخاوف من المشاريع الإيرانية وسياساتها في نطاق التركيب السكاني للبحرين إلا أن مشروع الاتحاد يهدف إلى ملاقاة وهج الانتفاضات البحرينية وتأثيرها على الوضع في السعودية وهكذا فالهدف السعودي يتعدى المخاوف الإيرانية باتجاه مرحلة النضال الوطني الديمقراطي في السعودية والذي لم يعد ممكناً تجاهله أو نفيه ومهما تعددت الذرائع السعودية بشأن الاتحاد إلا أن حقائقه صارخة ومتنوعة ومنها أن الربيع العربي هو الممالك والإمارات التي تريد أن تواجه الأمور عبر اتحاد بينها:
يمكن لأي حاكم ملكاً أو أميراً أو رئيسياً أن يبتدع ما شاء من الوصفات لكن الحقيقة أن الشعوب في مرحلة انتزاع حقوقها السياسية وإنهاء مرحلة الحاكم المتمتع بشؤونها رغماً عن إراداتها.
لو تسنى قيام اتحاد أوسع نطاقاً ويتوخى بناء دولة ديمقراطية مدنية، وعلى أساس دستور يصون الحريات الديمقراطية ويحول مهام الحكم وصلاحياته إلى من ينتخبهم الشعب بصورة ديمقراطية كاملة دون تزوير لكان الموقف من الاتحاد ترحيباً حاراً فعلياً. أما وقد اتضحت أن ذلك الاتحاد سيكون صيغة توتير جديد يضاف إلى التوتر الراهن ويقدم مادة إضافية للخلافات الخليجية الإيرانية ومهما كانت الدعاية السعودية فلن تتمكن من طمس الأمور وجوهرها حيث أحد الأهداف يتمثل في تسعير الكراهية بين العرب والفرس، والمخول بقطع الطريق على ذلك المشروع هو الشعب البحراني وليس إيران وغيرها.
لم يأت الموقف الإيراني بجديد ولم تختف الجذور القديمة، فالتظاهرات الحاشدة في إيران ضد المشروع السعودي غير بعيدة عن تعميق الكراهية وإيقاظ ما هو قديم وتصوري الأمر وكأنه ضم أراضي إيرانية إلى السعودية، ولعل النظام الإيراني لم يستيقظ من التي كانت بفعل الشعب الإيراني من سياسات تسعير الطائفية حتى أصبح في الأذهان أن المنطقة تعود إلى ما يماثل الشرقية تاريخياً لكن الإضافة الجديدة هي أن السياسات الإيرانية الفعلية والملموسة تضع إيران باعتبارها المسؤول عن الشيعة في كل بقعة من بقاع الأرض، ولم يعد ذلك لغزاً فالموقف الإيراني من الثورات العربية كان محكوماً بعوامل متنوعة ولا يغيب عنها وخيوط التركيب السكاني والانتماء الطائفي.
إن المخاطر في ابشع إيقاعاتها هي أن مصالح الشعوب مهددة بما يترتب على الأنشطة والتدابير والسياسات الطائفية، ورغم أن الحكم الإيراني يندد بالنظم التابعة للولايات المتحدة، واعتبر مجلس تنسيق الدعاية الإسلامية الإيراني أن مشروع السعودية مؤامرة خطيرة ونتاج المثلث الأميركي والبريطاني ــ الصهيوني. ولا غرابة في ذلك كما أنه ليس تجنياً على السياسية الإيرانية في وقائعها الطائفية المتراكمة والتي تحول دون أن تأخذ الجماهير الشعبية بما يطرحه الحكم الإيراني من أهمية مواجهة المشاريع المشبوهة.
ليس بوسع المرء الذهاب عن المشكلة دون القول إذا كان الأمر هو التصدي لخطط الإمبريالية، فإن اللبنة الأولى هي اتباع سياسات وتوجهات وشعارات وأنشطة تعتمد الصداقة والتعاون بين الشعوب ووحدة مصالحها.
ولكن الواقع يتحدث أن الشارع الإيراني محشور بين تصعيد المشاعر الطائفية والمشاعر القومية التي تشمل النطاق الإيراني كله.
ذلكم هو مكمن الخطر أن يتكون وضع تواجه الشعوب بعضها تحت الرايات الطائفية والقومية. ولن تكون محصلة ذلك سوى تدمير مصالح الشعوب وتخلفها وإعادتها إلى القرون الوسطى، إن أحد دروس التاريخ هو أن الطائفية لا تشكل سلاحاً لمحاربة الإمبريالية، إنها في ظروف محددة قد تقدم توجهات إيجابية، لكن تطور الأحداث يقلب الأمور رأساً على عقب، ناهيك أن الخلافات الخليجية الإيرانية تدور بين دول تحكمها علاقات الإنتاج الرأسمالي ولا يغير من ذلك إن كانت الملكية ملكية دول رأسمالية أو دولة إن ذلك يشكل خطراً أخر حيث رفع مصالح الشعوب إلى شركات خاصة واحتكارات مراتب متقدمة لن يكون شأن غلاة المتصارعين، وإضافة إلى ذلك فإن السياسات والأنشطة الطائفية لن تكون مخلصاً يغويه النهوض الوطني في المنطقة لمواجهة الدولة الإمبريالية الاستعمارية وحلفائها وأتباعها من ملوك وأمراء وغيرهم، وليس من جامع بين دعم الشعب البحريني من جهة وإدعاء أن البحرين جزء من إيران، ولا أمل في فك التحالف السعودي الأمريكي وينبغي عدم الخلط بين أن تواجه ذلك التحالف من جهة وبين أن تنتهي الدعاية السياسات إلى خسران الشعوب ودفعها نحو تأييد ذلك التحالف وقبوله، ويبدو أن علاقات الإنتاج الراسمالية أصبحت بفرض مسارات معنية في الدول الناهضة وتقدمها باعتبارها دولاً في أحشائها بذور إمبراطورية، وإزاء ذلك تبرز مصداقية الحكم عندما يصيغ السيل الفعلية التي تضعف دور الدول الإمبريالية وتكون مناخ الإيحاء والصداقة والتعاضد بين الشعوب، وذلك من أجل حقوقها في الحريات الديمقراطية وسيادتها بعيداً عن بضاعة من بضائع التخلف الاجتماعي، ولا يجوز أن يشغف الشعب الإيراني بحقوق إيران بالأراضي البحرانية، وعندها تجرى استعارة شيء من الفكر الصهيوني ويبرز ما يمكن أن يسمى «حق تاريخي» لإيران لأن الشاه في مرحلة معينة استولى على أراضي البحرين، ولو عادت أراضي الشعوب العربية بمختلف انتماءاتها إلى الدول التي استولت عليها في هذه المرحلة أو تلك لما بقيت أرض عربية. وإذا كان ملك البحرين يرتاح كلما تعمقت الطائفية فمن البدهي القول إن ذلك لا يتناسب والمكانة التي يتبعها الحكم الإيراني لمواجهة المشاريع المشبوهة ويظل التأكيد ضرورياً على أن دعم نضال الشعب البحراني من أجل حقوقه الديمقراطية شيء وتبني دولة لذلك تحل محل الشعب البحريني شيء آخر.