نزعة التدمير منذ انعقاد مؤتمر قمة الأرض

نزعة التدمير منذ انعقاد مؤتمر قمة الأرض

أسكت بوش الأب العالم ومجلس الأمن بصفعة واحدة، عندما رد على الانتقادات الحادة التي تم توجيهها لسياسة دولته والدول الصناعية الأوربية اللا مسؤولة تجاه كوكب الأرض، في مؤتمر قمة الارض الذي عقد في ريو دي جانيرو عام 1992، بقوله «إن أسلوب الحياة الأمريكية غير قابل للتفاوض».

ويظهر أن هذه الرسالة القصيرة فسرت لاحقاً كل السياسات التي تقودها الولايات المتحدة، فقد كان وما يزال ثمن أسلوب الحياة الأمريكية تدفعه شعوب العالم. إذ من المعروف أنه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية أتيحت الفرصة للولايات المتحدة وحليفاتها التصرف على هواها وحسب مصالحها في العالم، وفرض سياسة الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وعلى هذا الأساس وضعت استراتيجياتها للسيطرة على موارد العالم، ففي سياق حرب الإمبريالية العالمية لزيادة هيمنتها على العالم، دخل كوكب الأرض في المزيد من القضايا التي تهدد بقاءه معافى، وتعدى صراع البشرية من النضال من أجل العيش الكريم العادل المبني على توزيع عادل للثروات والتحرر الاجتماعي الاقتصادي، إلى الصراع من أجل البقاء، بعدما طفت على السطح قضايا هامة وملحة، فالنشاط البشري القائم على السيطرة على منابع الثروات (من مياه ونفط ومعادن وطاقات بشرية) والربح السريع وتطوير آلة الحرب وتسخير العلوم والتكنولوجيا في مصلحة التدخل في سياسات الدول وما نتج عنها من صراعات واقتتال ودمار، وانهيار في البنى الطبيعية، وازدياد فقر بلدان العالم لحساب جماعات تشكل قلة قليلة من مجمل سكان العالم، بات يهدد بقوة الحياة على كوكب الأرض. حيث جاء في مؤتمر المناخ الذي عقد في كوبنهاكن في 17/12/2010 أن أغنى 500 مليون انسان، أي 7% من سكان العالم (وهم الأغنى طبعا) مسؤولون عن 50% من الانبعاثات الغازية.

وأن الدخل الإجمالي لأغنى500 شخص في العالم أعلى من دخل 416 مليون إنسان أما 40% من سكان العالم فيعيشون بدخل يساوي أقل من دولارين، ولا يتلقون سوى 5% من إجمالي الدخل العالمي. وفي كل عام يموت 9،2 مليون طفل قبل بلوغهم الـ 5 سنوات، 99،9منهم من أطفال الدول الأفقر، بالإضافة إلى وجود مليار ومئتي ألف انسان أمّي، و1،02 مليارجائع، وغيره من الأرقام التي لا تنتهي وماتزال تستمر باستمرار جري الإمبريالية العالمية اللاهث وراء أطماعها، دون أن تلتفت إلى ماحولها لقد تضرر 60% من المنظومات البيئية للأرض، وتفسخ 20%من القشرة الأرضية، وزالت غابات وتدهورت موارد المياه العذبة، وحدث فرط في استثمار الثروات البحرية. إن استغلال الأرض يتجاوز قابلية تجديدها بـ 30% دون أن يحرك أحد ساكناً.

إن البحث في عمق الأسباب التي أوصلت العالم إلى هذه المرحلة يقودنا إلى حقيقة أن وراء السعي اللا نهائي للنمو كانت الرأسمالية تدمر الأرض، وبالتالي فإن الإمبريالية العالمية تحمل في داخلها طبيعة تدميرية غير مسؤولة تتمثل بجملة ما يسمى الدول المتقدمة وهي تنفذ مشاريعها لا تستطيع التوقف للاهتمام بقضايا الجياع والمحرومين.

إن تلبية احتياجات الإنسان باتت مستعصيةً في ظل هيمنة رأس المال، وتطبيق قوانين مـَركزة الثروات بأيدي قلة من الناس، وحرمان شعوب العالم منها، لقد وصلت مستويات الاستهلاك إلى معدلات غير مسبوقة في الدول المتقدمة قياساً ببلدان الدول النامية فعلى سيل المثال: إن طفلاً من الدول المتقدمة يستهلك من الماء مايعادل 30ـ40 مرة مما يستهلكه طفل في البلدان النامية.

مع تصاعد أزمة الإمبريالية العالمية الاقتصادية واستعصائها، ورغم إدراك قوى رأس المال على الدوام الكارثة التي تسببت بها سياساتها الاقتصادية لم يعد بمقدورها التوقف وهنا يقع الخطر الأعظم.

لقد تم سعي حثيث لإشغال العالم عن البحث عن حلول لإنهاء تدمير الأرض، لأن هذه العملية تجبر الدول الصناعية المتقدمة على تقديم التنازلات على مستويات مختلفة، وإعادة توزيع الثروة، والتوجه إلى العمل من أجل إيجاد كوكب أكثر استدامة وهذا ما تقاومه بكل شراسة لأنه يعني ليس تغيير المناخ وإيقافه بل تغيير النظام العالمي.

اليوم يعقد العالم قمته الجديدة بعد 20عاما من رسالة بوش الأب للعالم باسم مؤتمر ريو 20+ لتعود أوربا وتعيد إرسال رسالتها برفض رئيس لجنة البيئة المشاركة وكانت الحجة هي التكاليف الباهظة للفنادق، إنها توضح جلياً عجز البرلمان الأوربي عن ممارسة دوره كمؤسسة أساسية للمراقبة داخل الاتحاد الأوربي، كما أنها صيغة جديدة لمخاطبة شعوبها وتبرير عجزها أمامها في ظل سياسية التقشف التي تقودها في البلاد.

اليوم تقف الإمبريالية العالمية أمام تناقضها الكبير عاجزة لذلك سوف تزيد من شراسة هجمتها ستتجه في خلاصها النظرية النيومالتوسية لتكون الحل، حيث تقوم هذه النظرية على تخفيض عدد سكان الأرض إلى الحدود الأدنى، عبر صناعة الحروب والمجاعات والسيطرة على الثروات.

وفي قول لجان جاك روسو (بين القوي والضعيف تقمع الحرية) تضع الولايات المتحدة وحليفاتها الحرية تحت تصرفها، فهي تدمر وتستغل باسم التحرر. إنها تنشر «حريتها» على كل بقاع العالم حتى أصبح من الملح بجدية الوقوف في وجهها. يجب وقف الحروب والدمار وبناء عالم جديد معافى والقضاء على الفقر. يجب وقف استغلال الفقراء وزيادة فقرهم. يجب حماية كوكبنا من أعدائه وتغيير النظام الاقتصادي العالمي وإيجاد نظام اقتصادي اجتماعي جديد مبني على العدالة الحقيقية. كل ذلك سيكون في نضال الشعوب المسحوقة وخيارها في الاشتراكية.