انهيار الرأسمالية... المرحلة الثانية الانهيار التجاري والسياسي (2/3)
سنشهد في مرحلة الانهيار التجاري ما هو أكثر من مجرد مشكلة تنظيمية، بل ستسبب الكثير من التصدعات والانهيارات على المستوى النفسي، فكمية السلع والخدمات المتوفرة ستبقى هي ذاتها بعد الانهيار كما كانت قبله ، لأن سيكولوجيا السوق مرتبطة بالكثافة السكانية فقط .
فالاحتكار سينتشر حينها وعلى نطلق واسع، وسيتم شرعنة النهب، وستصبح السوق السوداء مصدراً لكل أنواع الاحتياجات ابتداءً من عبوة الشامبو وانتهاءً بقارورة الأنسولين.
إن آلية السوق مرتبطة بتوفر السلع الرئيسية، وفي حال عدم توفر تلك السلع فستتوقف آلية السوق عن العمل مما سيؤدي إلى انتشار الاستغلال، والاحتكار، والنهب وغيرها من النتائج التي ستسبب أضراراً بالغة .
حينها سيترك للنظام السياسي البت في موضوع تطبيق الحصص التموينية والتحكم بالأسعار وكذلك التحكم بمعايير توزيع كل ماهو ضروري وملح .
فإذا قام النظام السياسي في فترة الانهيار التجاري بتطبيق كل ما ذكر، فهل علينا أن نحسب كل تلك النعم التي بين يدينا ؟! إن دور النظام في زمن الأزمات يهم الناس أكثر من دور هذا النظام في زمن الرخاء .
عانى نظام التوزيع الغذائي في الإتحاد السوفييتي من ضعف مزمن في الأداء خلال الفترات العادية، ولكنه وعلى نحو متناقض تماماً اتسم بالكثير من المرونة خلال مرحلة الانهيار، مما سمح لعدد كبير من الناس أن ينجو خلال فترة التحول تلك.
فالتحدي قبل الانهيار التجاري هو أن يجد الناس المال الكافي لشراء حاجاتهم الضرورية، ولكن التحدي الأكبر بعد الانهيار هو أن يشتري الناس حاجاتهم بالمبلغ نفسه الذي كانوا يدفعوه قبل الانهيار .
من المفترض إن معظم الناس لا يملكون الكثير من النقود ليشتروا بها حاجاتهم، إلا أن نقودهم الآن لا قيمة فعلية لها، ولو فرضنا جدلاً إن هؤلاء الناس لديهم المال فسترى حينها معظم موردي البضائع والخدمات قد قرروا أخذ عطلة إضافة لاختفاء كل من السوق الحرة والمفتوحة، وحتى في حال وجود أسواق لبيع المواد فبالتأكيد إنها ستكون لناس محددين ولزمن محدد، فأي ثروة موجودة بالتأكيد ستختفي لأن التباهي بالثروة وكشفها سيزيد من مخاطر أمن تلك الثروة، كذلك سيزيد من كمية الجهود المطلوبة لحمايتها.
الغالبية العظمى من النماذج المصنعة تكون مستوردة ومصممة على أساس أنها محدودة الصلاحية، فحينها سيكون من الصعب تسيير أمورنا في حال جفاف تلك الموارد وخاصة قطع غيار الآليات التي تكون أجنبية الصنع ومحدودة الصلاحية، فالمصانع التي تجمع المعدات ستنخفض مع مرور الوقت، كما أن المزيد والمزيد من تلك المعدات ستتحول إلى « المتبرع بالأعضاء».
الانهيار السياسي
من الصعب علينا أن نميز إذا كان هناك انهيار سياسي، لأن السياسيين يميلون دائماً إلى القول إن الأمور على ما يرام ويتظاهرون بالقوة والسلطة حتى في فترة الانهيار، ولكن هناك بعض العلامات الفاضحة للانهيار السياسي كأن يبدأ الساسة بالأعمال الإضافية كون عملهم اليومي لم يعد يكفيهم قوت يومهم، وكذلك عندما يبدأ الساسة المحليون وبشكل فاضح بتحدي أوامر الحكومة المركزية، فالتجربة الروسية غزيرة بكل ما تم ذكره .
ففي حال حدوث أشياء سيئة للغاية فمن الصعب حينها ملاحظة الانهيار السياسي، فالساسة يصدرون الكثير من الضوضاء في فترة الانهيار، ومن المعلوم أن معدلات الضجيج في الخطاب السياسي تكون منخفضة في الفترات الهادئة، الأمر الذي يجعل من الصعب أن نلاحظ التحول في فترة الانهيار لأن مستوى الضجيج سيكون في قمته .
من السهل أن نلاحظ التغيير كلما زاد مستوى الارتباك السياسي، ففي روسيا على سبيل المثال عندما قام السيد «نازدراتينكو» –حاكم منطقة بريموري الواقعة في أقصى الشرق من روسيا- بسرقة كميات كبيرة من الفحم قد خطا بذلك خطوات باتجاه إرساء سياسة خارجية مستقلة تجاه الصين، بيد أن موسكو لم تستطع فعل شيء لكبح جماح هذا الشخص، فحينها كنا متأكدين بأن النظام آيل إلى الانهيار.
التفكك هو عبارة عن علاقة واضحة أخرى للانهيار السياسي فكل منطقة ستعلن استقلالها. ومثال على ذلك الوضع في الشيشان والذي أدى إلى صراع دموي مزمن مع موسكو.
هنا في أمريكا نحن لدينا « الاسترداد « والتي كانت إقليماً مكسيكياً في السابق و أصبحت مكسيكية إلى الأبد والجنوب يمكن أن ينهض مرة أخرى كما أن كاليفورنيا غرب المحيط الهادئ يمكن أن تقرر أن تذهب في حال سبيلها، فنظام الطرق العامة الذي يربط بين الولايات لم يعد موجوداً وكذلك انقرضت شركات الطيران المحلية. وكذلك التدخل الأجنبي السافر في السياسات المحلية كل تلك الاشياء التي تشير إلى مرحلة الانهيار السياسي، فعندما بدأ المستشارون السياسيون الأجانب بإدارة الانتخابات كما حصل مع حملة إعادة انتخاب «يلتسن « فحينها كنت متأكداً أن روسيا لم تعد تملك قراراها السياسي.
ففي الولايات المتحدة هناك تنازل تدريجي عن السيادة فقد تم شراء صناديق الثروة السيادية من الأصول الأمريكية وهذه الأعمال تشبه إلى حد كبير أعمال الحرب.
ويحصل هذا كله في الأوقات العصيبة وفي نهاية المطاف سيبدؤون بمطالب سياسية لانتزاع أكبر قدر ممكن من الاستثمارات، بمقدورهم على سبيل المثال أن يبدؤوا بفحص المرشحين الذين سوف يخدمون ممصلحةهم..فأي فراغ في السلطة سيسبب انهياراً للسلطة التشريعية وبما أنّ الحياة لا تقبل الفراغ فإنها ستملأ بالعصابات الإجرامية.
وغالباً ما يحاولون الاستيلاء على المؤسسات السياسية وذلك بحصول رئيسهم المعين منهم على جميع المناصب السياسية.
فعلى سبيل المثال : الأوليغارشيا الروسية حيث كان بوريس بيريزوفسكي واحداً من هؤلاء الأوليغارشيا فقد قام بترشيح نفسه إلى مجلس الدوما وكذلك ميخائيل خودورفسكي الذي حاول من خلال استعمال ثروته النفطية الوصول للمؤسسات السياسية ولكن لحسن حظ الروس الأول كان في المنفى في بريطانيا والثاني كان في السجن.
يصر الكثير من الأشخاص في أميركا بأنهم ليسوا بحاجة للمساعدات الحكومية وبأنهم سيكونون على ما يرام إذا تركتهم الحكومة في حال سبيلهم ولكن هذا الرأي يحتاج إلى وقفة جدية فهناك خدمات كثيرة تقوم بها الحكومة من أجل استمرارية الحياة لهؤلاء الناس فالحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة ومن خلال برنامج المساعدات الطبية والضمان الاجتماعي وبونات الغذاء تسهم في إنقاذ حياة الكثير من الناس.
فالحكومات المحلية توظف الكثير من عمال النظافة لإزالة النفايات وكذلك عمال صيانة خطوط الصرف الصحي بالإضافة لإصلاح الطرق والجسور .. الخ. فكل هذا إذا بدأ بالانهيار فالمرجح أن يبدأ الانهيار من الأسفل وليس من فوق، فالمسؤولون المحليون أكثر مرونة من مسؤولي واشنطن البيروقراطيين.
أول من سيجتاحه الغضب والتوتر هو هؤلاء الناخبون وبالوقت نفسه لن تستجيب واشنطن لمطالبهم ولن يكون لها أي ردة فعل على هذا الانهيار فمن المرجح حينها استقدام القوات الفيدرالية المنتشرة في جميع أصقاع العالم والتي تتوزع على أكثر من 1000 قاعدة عسكرية وسيختبر الأمريكيون حينها ما فعلته قواتهم من مجازر وقتل وتدمير في تلك البلدان التي دخلوها.
• عن موقع endofcapitalism
ترجمة: مشعل شيخ نور