هل يوجد صراع طبقي في الاشتراكية؟
منذ تحول المجتمع الإنساني من المشاعية البدائية إلى مرحلة العبودية.. وحتى يومنا هذا، يسري في المجتمع قانون الصراع الطبقي، وهو قانون طبيعي مستقل عن إرادة الإنسان الذي لا يستطيع إلغاءه أو التغافل عنه .
ولفهم آلية مفعول الصراع الطبقي وتغير أشكاله من مرحلة إلى أخرى نعتمد التعمق في قوانين الطبيعة وفهم آلية عملها وصيرورتها.
نعلم أنه عندما تجتمع كميات كبيرة من جزئيات تتكون من اتحاد ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين تتكون حالة جديدة يختلف شكلها باختلاف مقدار التماسك أو التباعد بين الجزيئات المكونة لهذه الحالة، وهي الماء طبعاً، لكن في الطبيعة توجد ظواهر تؤثر على هذه الحالة كالشمس مثلاً، إذ تؤدي إما إلى زيادة حركة التباعد، أو زيادة حركة التماسك بين الجزيئات، فإذا ازدادت حركة تباعد الجزيئات إلى حد معين تحول شكل الحالة من شكلها المائي إلى الشكل الذي ندعوه بخاراً، ولكن الصراع بين تماسك وتباعد الجزيئات لا ينتفي في البخار بل يبقى ساري المفعول شاءت الجزيئات ذلك أم لا.
هذا القانون كان يسري في الطبيعة قبل وجود الإنسان على الأرض، وما يزال يسري بعد وجوده، وسيبقى سارياً ما دام مجتمع هذه الجزيئات موجوداً.
فالصراع الطبقي كان محتدما طيلة وجود النظام الاشتراكي والإنسان عاجز عن إلغائه, ولكن القوى المتعارضة في المجتمع كانت تعمل على تغيير الصراع وفقاً لمصالحها .
وكما تشكل درجة غليان الماء حداً حرجاً لتحول الماء إلى بخار، كانت وفاة ستالين درجة التحول في المجتمع السوفييتي من مجتمع اشتراكي إلى مجتمع رأسمالي.. كانت وفاة ستالين الدرجة التي تغلب فيها النقيض المستتر الذي يريد إعادة الرأسمالية على النقيض الذي يريد السير بالنظام الاشتراكي في اتجاه المجتمع الشيوعي.
من كتاب ستالين (نظرة أخرى)
بدأ خروشوف عمله التدميري مدعياً بأنه إنما كان ينتقد أخطاء ستالين من أجل أن يعيد للينينية نقاءها الأصلي، وليصلح النظام الشيوعي. ثم جاء غورباتشيف فأطلق الوعد الديماغوجي ذاته كي يبدد قوى اليسار. ولو تأملنا في الموضوع قليلاً لأدركنا أنه تحت ذريعة العودة إلى لينين جرت العودة إلى القيصر، وتحت ذريعة إصلاح الشيوعية تم بعث الرأسمالية المتوحشة.
فلقد أكد ستالين على أن الصراع الطبقي لا يتوقف في ظل الاشتراكية، وأن القوى القديمة للإقطاع والرأسمالية ستواصل القتال من أجل عودتها إلى المسرح، وأن الانتهازيين في قلب الحزب من تروتسكيين وبوخارينيين وقوميين برجوازيين لن يكفوا عن مد يد العون للطبقات والشرائح المعادية للاشتراكية من أجل تجميع قواها.
ثم جاء خروشوف وأعلن أن هذه الموضوعات باطلة، وأنها تعود إلى التعسف والتسلط، غير أن صورة القيصر الجديد بوريس يلتسن التي برزت عام 1992 تشهد على نحو لا يقبل الجدل على صحة تحليل ستالين.
لقد أتيح لنا خلال الأعوام 1990 إلى 1995 أن نرى كل مزاعم (نقاد اليسار) ضد ستالين.. كانت أشبه بجداول صغيرة انصبت في النهر الكبير، نهر العداء للشيوعية، فالاشتراكيون الديمقراطيون والتروتسكيون والفوضويون والبوخارينيون التيتويون والخروشوفيون, وحماة البيئة، وجدوا أنفسهم جميعاً في عباب الحركة التي ترفع شعارات (الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان...إلخ).. والتي قامت بتصفية كل ما كان قد تبقى من الاشتراكيين في الاتحاد السوفييتي، وتمكن كل هؤلاء (النقاد اليساريون) لستالين من أن يمضوا حتى العواقب النهائية لخيارهم السياسي، وساهم كل منهم في إرساء رأسمالية وحشية وخلق (دكتاتورية برجوازية عديمة الرحمة)، وتقويض المكتسبات الاجتماعية والسياسية والثقافية لجماهير الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم. وفي بعض الحالات ساهموا في انبثاق الفاشية وإشعال فتيل الحروب الأهلية الرجعية.
وفي الوضع الذي كان يعيشه الاتحاد السوفيتي، والذي ظل يشهد حصاراً وتطويقاً رأسمالياً، يمكن القول بان احتدام الصراع الطبقي واتساع نطاق المقاومة من جانب العناصر الرأسمالية ضد الطليعة الاشتراكية، راح يقوي ضغط العناصر البرجوازية على الجزء الأضعف صلابة في صفوف الحزب، ويخلق إيديولوجية استسلامية إزاء الصعوبات، ويشيع روح الانهزام والتخلي ومحاولات الوصول إلى اتفاق مع العناصر الكولاكية والرأسمالية في المدن والأرياف، وذلك راح يشكل جذراً لحالة عدم الفهم الكلي لدى فريق بوخارين لتفاقم الصراع الطبقي الذي تدور رحاه، وهو الأساس لموقفه الداعي إلى التقليل من شأن المقاومة الضارية التي كان يشنها الكولاك ورجال النيب، ونظريته المعادية للينينية والقائلة بان الكولاك سوف يندمجون في داخل الاشتراكية وهو كذلك أساس معارضة هذا الفريق لضرب العناصر الرأسمالية في الريف.
«ما أشبه اليوم بالأمس»...