حكام البحرين.. «إذا ابتليتم..» فاستتروا!
نهلة الشهال نهلة الشهال

حكام البحرين.. «إذا ابتليتم..» فاستتروا!

يبدو أن حكام البحرين لا يعملون بالتوصية الكريمة. وهناك أكثر من دليل. فقد خرج علينا منذ يومين حاكم البلاد، حمد بن عيسى آل خليفة (وهو كان قد رفَّع نفسه من شيخ إلى أمير إلى ملك، بمخطط «إصلاحي» اعتبره القول الفصل. قال فيه ضمناً إن وعود ابنه وولي عهده الإصلاحية مبالغ فيها وإنه قرر... ماذا قرر حقاً؟ شيئاً من قبيل تعديل الدستور ليعزز رقابة مجلس النواب على الحكومة.

أيِّ مجلس نواب، وقد استقال نصفه إلا واحداً (19 نائباً، ينتمون إلى حركة الوفاق)، مع بدء القمع الشرس والمنهجي الذي ووجهت به انتفاضة البحارنة منذ شباط الفائت.

ولكن، للملك مقال لكل مقام: «نستكمل المسيرة مع من لديه رغبة وطنية صادقة في مزيد من التقدم والإصلاح». أما من ليست لديه مثل هذه الرغبة فقد ظلم نفسه، وهو علاوة على ذلك فاقد للوطنية الصادقة!

ها قد ألقى الملك بالأغلبية الساحقة من البحارنة خارج نطاق اهتمامه، ليدخلوا مباشرة في نطاق اهتمام أجهزة الأمن والشرطة، وأقبية السجون والتعذيب والتصفية أثناء الاعتقال. ومن لا يطاله هذا كله يختنق بغازات القنابل المسيلة للدموع، قبل أن يفعل الرصاص فعله، بينما أخف العقوبات هي الطرد من الوظيفة. آلاف البحارنة فقدوا مصادر رزقهم بطرفة عين، وما زالوا: أطباء ومعلمين وموظفين في شتى القطاعات. ما يعني أنهم يخيَّرون بين الموت جوعاً، هم وعائلاتهم، أو الرضوخ للمشيئة الملكية. ثم يختم الملك بأن «الديمقراطية ثقافة وممارسة»! ويبدو أن الحكام العرب (من بقي منهم في منصبه حتى الآن)، يتقنون أن «الكلام ليس عليه جمرك»، كما يقول المثل، فبإمكانهم أن يقولوا أي شيء، حتى لو لم يكن مترابطاً ولا يشبه الواقع ولا يقاس عليه.

الشيخ ـ الأميرـ الملك كان قد عقد في الصيف مؤتمراً للحوار الوطني حاور فيه نفسه وجماعته. وهو يسند قراراته هذه إلى توصيات ذلك المؤتمر. والحاكم يتجاهل ما جرى في بلاده، ويتكلم عن «احترام القانون المرتبط بمبدأ التعايش المشترك والتسامح». فيُفهم من سياق كلامه أن على الناس أن ينسوا الأذى الذي لحق بهم للبرهان على استعدادهم للتسامح، وأن يخضعوا له لينقذوا العيش المشترك. وهو بذا يستخف ليس فحسب بفداحة الواقع الذي ما زال قائماً، متجدداً كل يوم ومستعصياً، بل بتوصيات لجنة لتقصي الحقائق كان قد ارتضى هو نفسه تشكيلها برئاسة البرفسور بسيوني، وتلقى تقريرها الذي، وإنْ اتَّبع أعلى درجات الدبلوماسية وتدوير الزوايا ومراعاة الخواطر، اضطر إلى توثيق بعض الوقائع والى المطالبة بتنفيذ بعض الإجراءات. عبثاً!

كما يدَّعي حكام البحرين أن المنامة يمكنها أن تكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2012. لا يهمهم ما جرى فيها على امتداد العام الفائت، وما زال جارياً من تنكيل بمن تجرأ من البحارنة على التظاهر والاعتصام مشتركاً في موجة الثورات العربية، مطالباً بإصلاحات حقيقية، في نطاق ملَكية دستورية. قالوا: هذا بتحريض من إيران وكفى، مستندين إلى أن غالبية المواطنين شيعة. وظلوا يمعنون حتى استقر الاستقطاب الطائفي فارتاحوا إلى المعركة التي يديرون، برعاية مجلس التعاون الخليجي ومشاركته الفعالة، الميدانية.

ثمة خبر صغير يكفي وحده لإبطال اختيار المنامة عاصمة للثقافة العربية، عند من بقيت لديه ذرة من الاحترام لنفسه. فقد شاع أن وزارة التعليم وضعت متطوعين، لا على التعيين، محل الأساتذة المفصولين! ليست الوزارة تشجع فحسب الاحتراب الأهلي، وتسوق لوهم أنه يمكن الاستغناء عن ثلثي الشعب، بل هي تستعين بمن لا كفاءة له ولا اختصاص، نكاية بالمعلمين المتمردين. لعل الجامعة العربية قررت اختيار المنامة عاصمة للثقافة العربية لعام 2012 قبل كل ما جرى. ولعلها على العكس رغبت بمسايرة حكام البحرين ومن خلفهم لغرض في نفس يعقوب. لا يهم!

تعلن وزيرة الثقافة، وهي أيضاً من آل خليفة، برنامجاً جميل الهندسة: لكل شهر من السنة عموده، فيكون كانون الثاني للنحت مثلاً والذي يليه للشعر أو المسرح، وهكذا. ولكنها لا تدخل في التفاصيل، مخافة حملة المقاطعة الواسعة لفعاليات البرنامج، والعرائض العربية والبحرينية التي تدعو إلى الامتناع عن المشاركة في الاحتفالية، إدانة للقمع الذي وقع على الناس ومازال يقع. فيغدو البرنامج سرّياً. والسيدة مي آل خليفة تستحضر التنويريين بمواجهة الظلاميين! ولعل أحداً لم يجرؤ على تنبيهها إلى أنها «قديمة»! وأما درة التاج، فهي التخطيط لعقد «معرض البحرين الدولي للكتاب» في آذار المقبل، وهو تاريخ تدمير دوار اللؤلؤة وإزالة النصب الذي أصبح رمزاً للتحرك الاحتجاجي: تسويته بالأرض، وإغلاق الدوار وهو نقطة مركزية تماماً في حركة السير في العاصمة. حدث ذلك مذاك، وهو مستمر حتى اليوم. وليس يدري المرء كيف يمكن المواءمة بين الخوف من الرموز وكرهها والسعي إلى محوها، ورعاية الثقافة. وقد تتمكن الشيخة من عقد بعض النشاطات، وبخاصة أنها تتوجه الى المغرب والأردن، البلَدين المرشحين للالتحاق بمجلس التعاون الخليجي، كي توفر مادة «اكزوتيكية» تنقذ الفعالية. ولكنها لا تلاقي حتى اليوم سوى استجابة من مثقفي القصور هناك، فيما تعم الدعوات العامة الى المقاطعة التضامنية والاحتجاجية.

يسعى ملك البحرين لربط وجوده تماماً بالمواجهة مع إيران، ويستخدم سياق التوتر العالمي القائم في هذا المجال. لطالما كانت البحرين ركيزة عسكرية أميركية، بالقواعد المنتشرة فيها، وبالخبراء والاختصاصيين الذين يدربون القوات المحلية، ويعملون مستشارين في الإدارات المدنية، وبكونها مرفأ الأسطول الأميركي الخامس. ولكن المراهنة الحالية التي يعمل عليها الملك تقوم على إزالة الفارق ما بين الموقف الرسمي ذاك، والوضع العام للمجتمع البحريني، الذي يتميز بديناميته وبقِدم اهتمامه بالفكر والسياسة، وبتوليده لأحزاب وجمعيات ونقابات فاعلة، وكتاب وبحاثة ومثقفين وفنانين كثر. يريد الملك ترسيخ وجود سلطته وحمايتها مستنداً الى استنفار شرس لجزء من المجتمع ضد أغلبيته، على قاعدة طائفية فجة. وهو ما يفسر غضبه المضاعف ممن هم ديمقراطيون أو عروبيون أو يساريون من القوى البحرينية، ويصادف أنهم اجتماعياً من السنّة، ويرفضون هذا المنهج، كحال حركة «وعد» العريقة. وكذلك يغضبه جداً منْ كان مِنَ الشيعة، كمجموعات وكأفراد، لا يطبق قواعد لعبته. هؤلاء جميعهم تعرضوا، وما زالوا، لقمع فظيع. تُناسب الملك بعض القوى ذات الطابع الشيعي التي يحملها اليأس أو الغباء على تبني تطرف طائفي مقابل. هذه لعبة يجيدها، وهي تبرر كل إجراءاته.

كل ذلك مفهوم، وسبق رؤيته وتجريبه في المنطقة. ولكن ما دخل الثقافة؟