قناة البحار و نبوءة هرتزل! (1/2)
لم يكن حفل التوقيع على مذكرة التفاهم الذي تم في مقر البنك الدولي بواشنطن يوم الاثنين 06/12/2013 يشبه ما سبقه من احتفلات بروتوكولية بين دولتين أو مجموعة من الدول
فالإعلان عن مضمون الاتفاق كان مفاجئاً لقطاعات واسعة من الشعبين الأردني والفلسطيني، لأن الأطراف الثلاثة التي وقعت الاتفاق، هي كيانات، ليست على مستوى واحد من الحقوق السياسية/الوجودية في عرف القانون الدولي: حكومة العدو الصهيوني، ممثلة بوزير الطاقة والتعاون الإقليمي»سلفان شالوم»، والأردن، بشخص وزير المياه «حازم الناصر»، وسلطة الحكم الإداري الذاتي، ممثلة برئيس سلطة المياه «شداد العتيلي».
الإعلان، ظهر للعلن بعد سلسلة من الحوارات والنقاشات التي تمت داخل الغرف المغلقة، وفي سرية كاملة، على مدى أشهر عديدة، كما أوضح «سلفان شالوم»: «أن هذا أمر لم يجر تحت الأضواء، ومر بمد وجزر، ولكننا في النهاية أفلحنا في التوصل إلى اتفاق تاريخي»، مما يكشف عن طبيعة زياراته السرية المتكررة للعاصمة الأردنية.
ركز العديد من المسؤولين في عمّان، على تصوير ماحصل بـ»الإنجاز الكبير، لما يحققه من فوائد متعددة للأردن» كذلك فعل أكثر من مسؤول في رام الله. لكن ما تجاهله الطرفان هو ما حققته حكومة العدو من مكاسب استراتيجية، في تنفيذ حلم قديم، راود مخيلة مؤسس فكرة الكيان/الدولة. «سلفان شالوم» عبّر بأحاديثه المتتالية لأكثر من وسيلة إعلامية عن أهمية هذا الإنجاز: «هذه خطوة تاريخية تحقق نبوءة هرتزل. فقد تطلب الأمر زمناً طويلاً جداً...إن مشاريع كهذه تتم من أجل الحفاظ على السلام»، مضيفاً: «إن المشروع مؤسس على الجدوى الاقتصادية لتحلية المياه وعلى البعد البيئي لإنقاذ البحر الميت، ولكن لابد من التركيز على البعد الثالث، وهو سياسي – استراتيجي».
خلفية تاريخية موجزة
في التقرير الهام الذي نشره مركز الإعلام والمعلومات قبل عدة سنوات، والذي استندت على ماورد فيه _باقتضاب_ من سرد تاريخي، إضاءة ضرورية للمرور على المراحل الأساسية البارزة، في بدء الفكرة وتطويرها.
شهدت مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، حالة واسعة من النقاش في الدوائر السياسية والأكاديمية، محلياً وإقليمياً ودولياً، حول فكرة ربط البحر الميت بأحد البحار المفتوحة، وبدايات الفكرة، ظهرت في مراحل التنافس الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا في منتصف القرن التاسع عشر، على التحكم بالطرق المؤدية للمستعمرات في الشرق، خاصة، مع تبلور فكرة حفر قناة السويس لدى الفرنسيين، مما دفع بالبريطانيين للبحث عن ممر بحري دون المرور بالقناة.
وقد طرح المهندس البريطاني وليام آلن عام 1850م فكرة ربط البحر الميت بالبحر المتوسط عبر قناة تبدأ من خليج حيفا إلى وادي الأردن، بحيث يمكن رفع منسوب المياه في البحر الميت وخليج العقبة إلى درجة تمكن من إبحار السفن من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر البحر الميت، وعرض هذه الأفكار في كتاب له بعنوان «البحر الميت – طريق جديد للهند».
لم يمنع احتلال بريطانيا لمصر وسيطرتها على قناة السويس من التفكير في تطوير الفكرة، فأرسلت حاكم السودان البريطاني، الجنرال تشارلز غوردون، إلى فلسطين لدراسة فكرة «وليام آلن». وبالفعل، قدم غوردون أفكاراً جديدة، ساهمت بإدخال بعض التعديلات عليها. لكن الحماس البريطاني للفكرة تراجع، مما دفع ببعض العلماء والمنظرين السياسيين الصهاينة لالتقاط الفكرة والعمل على تطويرها. قام المهندس السويسري ماكس بوركارت الذي اعتنق اليهودية واتخذ له اسم ابراهام بن ابراهام، بتعديل وتطوير ما طرحه «آلن وغوردون» ليتلاءم مع الحلم الصهيوني في فلسطين، الذي كان يراود أبرز دعاة الغزو اليهودي/الصهيوني في أواخر القرن التاسع عشر، والذي كانت ترجمته العملية: الاستيلاء على الأرض والمياه وإنتاج الطاقة. وفي عام 1899،أرسل بوركارت إلى تيودر هيرتزل نتائج أبحاثه التي تضمنت مخططا موجزا للمشاريع، اقترح فيه شق قناة من خليج حيفا إلى غور بيسان، ومن ثم السير بمحاذاة نهر الأردن، وصولاً إلى البحر الميت. بهدف استغلال فارق الارتفاع 400م ما بين سطح البحر المتوسط والبحر الميت لتوليد الطاقة. و قد قام تيودور هيرتزل بعرض هذا المشروع في كتابه «الأرض القديمة – الجديدة» الذي صدر عام 1902، حيث أشار فيه إلى التصاميم المتعلقة بمشروع قناة البحار الذي أرسلها إليه بوركات .
تتابعت جهود العديد من المهندسين من أجل تطوير الفكرة (النرويجي « يورث» عام 1919، والفرنسي «بيير جنادريون» عام 1925،والأمريكي»والتر لاودر ميلك» عام 1944) وربطها بزيادة عدد الغزاة اليهود، الذين يتطلب استعمارهم للأرض_ خاصة في النقب_ المزيد من المياه. من أجل ذلك قامت الحركة الصهيونية بتشكيل «لجنة استقصاء الحقائق في فلسطين» بهدف دراسة ومعرفة إمكانيات استيعاب المستوطنين اليهود في فلسطين بناء على استغلال أقصى للأراضي والمياه الفلسطينية. ونشرت اللجنة أول تقرير لها في عام 1943 يتضمن عدة اقتراحات، منها :تحويل مياه نهر الأردن لأغراض الري، وتعويض انخفاض مستوى البحر الميت الناتج عن ذلك بنقل مياه البحر المتوسط عبر قناة إلى البحر الميت، إضافة إلى استغلال ذلك في توليد الطاقة.
الكيان والتعامل مع الفكرة
نشطت جهود الخبراء في تقديم عدة اقتراحات عن حفر سبع قنوات لربط البحر الميت بالبحر المتوسط في الفترة مابين 1950- 1955.ثم جاءت خطوة الرئيس جمال عبد الناصر في تأميم قناة السويس ومنع سفن العدو الصهيوني من المرور فيها لتزيد من نشاط حكومات العدو لإيجاد بديل عن القناة من خلال ربط البحر الميت بالبحار المفتوحة المجاورة. و قد لعب «شمعون بيريس» أثناء ترؤسه لوزارة التعاون الإقليمي عام 200 دوراً بارزاً في نقل الفكرة إلى حيز التنفيذ. وهنا لابد من التنويه لدور الحكومة التي ترأسها مناحيم بيغن، لأنها أخرجت فكرة المشروع من وحدانية التفكير والتنفيذ إلى دعوة الأردن للمشاركة في تنفيذ المشروع الصهيوني لربط البحر الميت بالبحر المتوسط، الذي طرح في ذلك الوقت. لكن الحكومة الأردنية والعديد من المنظمات الدولية تعاملت بتلك الفترة مع المشاريع المقترحة بنقد واضح، لما يحمله التنفيذ من العديد من الأضرار البيئية والجيولوجية للمنطقة. لم يتأخر الموقف الأردني طويلاً. فقد طرحت الحكومة الأردنية مشروعاً بديلاً يربط الميت بالبحر الأحمر. رفضت حكومة العدو المشروع الأردني. وقام مناحيم بيغن بدعوة الأردن إلى المشاركة في تنفيذ مشروع حكومته.