أوكرانيا نموذج الثورات الملونة المدعومة غربياً

أوكرانيا نموذج الثورات الملونة المدعومة غربياً

ماذا يحدث في أوكرانيا؟ إنه صراع جنوني لرأس المال المالي العالمي من أجل البقاء، باستخدام أدواته المتراجعة عالمياً، مثل الثورات الملونة والسياسات الليبرالية الجديدة

لقد انفجرت الأحداث في أوكرانيا على خلفية الصراع من أجل توقيع اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي، والمؤسسات الإمبريالية التي تقف خلفه، وهي تعبر عن انفجار أزمة رأس المال في هذا البلد.

حقيقة الوضع في أوكرانيا

من المسؤول عن تحويل أوكرانيا إلى مزرعة لرجال الأعمال؟ من يتحمل مسؤولية تحويل ثاني أكبر اقتصاد في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية إلى مدجنة لتفريخ اللصوص والطفيليات، على حساب سحق الشعب الأوكراني والتحطيم الاجتماعي الممنهج للكادحين؟ إنه رأس المال المالي العالمي، وامتداداته في الداخل الأوكراني.
انهار الاتحاد السوفييتي وانفصلت أوكرانيا عنه عام 1991، فوصل إلى الحكم طبقة قديمة جديدة من اللصوص، تمثل أحفاد النبلاء، الذين أسقطتهم ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى عام 1917، والتروتسكيين المهزومين عام 1937 وأحفاد جماعة «سيباستيان بانديرا» الذي تحالف مع الفاشيين، وممثلي الحركة الصهيونية وجماعة البيروسترويكا الغورباتشوفية والبيروقراطيين والقومييون الليبراليين وغيرهم.
وتعرضت أوكرانيا، خلال العقدين الأخيرين، إلى شتى أنواع المآسي، وأصاب الاقتصاد ركود حاد، حيث تراجعت معدلات النمو وخسرت أوكرانيا 60% من ناتجها المحلي خلال سنوات 1991 – 1999، وتقلص الإنتاج الصناعي بنسبة 48%، والإنتاج الزراعي بنسبة 51%، وعانت البلاد من معدلات تضخم من خمسة أرقام، واحتلت أوكرانيا الرقم القياسي العالمي للتضخم سنة 1993، ومعها بدأت تختفي كل الخدمات الاجتماعية التي كانت متاحة للسكان في السابق، في التعليم والصحة والسكن وفرص العمل والتقاعد، وازداد العجز في الميزانية بشكل كبير، وتم خصخصة قطاعات واسعة من المرافق الاقتصادية الأساسية، وانخفضت الرواتب والمعاشات، وانتشر الفساد والجريمة وارتفعت نسبة الوفيات بشكل كبير منذ عام 1991، وتم إتباع سياسة تحرير الأسعار، حتى أصبحت حياة المواطن صراعاً من أجل البقاء، وأصبح اقتصاد الظل هو السلطة الوحيدة في البلاد، وقد أقبل القرن الحالي والبلاد على حافة الكارثة، بسبب الممارسات الليبرالية لجماعة «ليونيد كوتشما» الموالية للغرب.

ماذا فعل قادة الثورة البرتقالية؟

جرت انتخابات رئاسية عام 2004، وفاز فيها حزب «الأقاليم» الذي يقوده الرئيس الحالي «فيكتور يانوكوفيتش» الموالي لروسيا، وقد أثار ذلك جنون واشنطن التي مولت ثورة ملونة ضده، وهكذا حدث ما يسمى بالثورة البرتقالية التي أسقطت «الأقاليم»، ووصل إلى السلطة حزب ليبرالي قومي هو حزب «باتكيفشينا»، وأصبح «فيكتور يوشينكو» رئيساً للبلاد، و«يوليا تيموشينكو» رئيسة للوزراء.
ماذا فعل قادة الثورة البرتقالية الموالية للغرب بالشعب الأوكراني؟ لقد تراجعت معدلات النمو أكثر، وارتفعت نسبة من هم تحت خط الفقر بنسبة 37%،  وازدادت البطالة بنسبة 15%، وأصبح موت المواطنين من البرد شيئاً طبيعياً في ظل النظام الرأسمالي. ومنذ عام 2008، دخل الاقتصاد الأوكراني ركوداً عميقاً يشابه ما حدث عام 1993، خاصة بعد تدخل بنك النقد الدولي وتوالي القروض المجحفة إلى الداخل. حيث أدت هذه النتائج إلى هزيمة الثورة البرتقالية سياسياً، ووصول حزب «الأقاليم» الموالي لروسيا إلى الحكومة، وأصبح «فيكتور يانوكوفيتش» رئيساً للبلاد عام 2010.

ماهي أهداف واشنطن الاستراتيجية في أوكرانيا؟

 يصرح الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا تشكل خزاناً للخبز من أجل أوروبا، ومن جهة أخرى تبدي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية اهتماماً مفاجئاً بمستوى الأجور في أوكرانيا، فما هي حقيقة ما يجري خلف الكواليس؟ هنا تختفي الأهداف الامبريالية الحقيقية وراء التدخل في الشأن الأوكراني، فالغرب لن ينسى أبداً أزمة الغاز بين روسيا وأوكرانيا التي حدثت في السنوات السابقة وتسببت بنقص الغاز الروسي القادم إلى أوروبا.
كانت هذه الأزمة سبباً كافياً لانتشار صراع الرأسمالية المجنون من أجل البقاء إلى بقية بقاع العالم، ويبدو اليوم أن أحدى الأهداف الاستراتيجية للحرب في سورية هو إسقاط الدولة الحالية، وقيام نظام موال،كلياً، لواشنطن، ومد خطوط الغاز القطري إلى أوروبا عبر سورية لخنق العملاق الروسي، وكذلك هو الوضع في باكستان والخليج. لكن الغرب أصيب بهزيمة سياسية كبيرة في سورية، نتيجة لتراجعه الموضوعي على صعيد العالم.
بعد هذه الهزيمة يقرر الغرب نقل المعركة إلى الجوار الروسي، مباشرة بعد قرار الرئيس الأوكراني رفض الاتفاقية التجارية مع أوروبا، وتدل تصريحاته الأخيرة، حول الزيارات المقررة إلى موسكو وبكين، أن أوكرانيا تمهد للشراكة الشرقية، كبديل للشراكة الغريبة، ولهذا السبب أصابت الغرب هستيريا المفاجأة، إذ نقل الصراع إلى خاصرة روسيا، باستخدام أدواته المهزومة كالثورة البرتقالية وأبطالها المزيفين.

هذه المقالة جزء من مادة منشورة كاملة على موقع قاسيون الإلكتروني