الموقف السعودي بين الخلفيات السياسية والثقافية
تقتضي معرفة الدوافع الحقيقية لحرب السعودية وتوابعها الخليجية على سورية، التفكير في مستويين رئيسين يستغرقانها : سياسي ومعرفي.
أما المستوى السياسي، فالنظام السعودي يعيش في عالم محكوم بعلاقات القوى السياسية، لا يستطيع أن يخرج عن مقتضيات الدنيا والسياسة اللاعبة فيها، ولا يمكنه أن يحقق مصالحه إلا بالانخراط في هذه العملية، وبالتالي هو لا يحارب سورية من أجل ما يعلنها من أهداف، فهو يستخدمه غطاء وتبريرا لمصلحته الدنيوية وسلطته السياسية، ولا تحارب السعودية وتوابعها الذيلية من الدول الخليجية، سورية ، من أجل رؤيتها لأفق تغييري يحقق مصلحة الشعب السوري، لأن الثقافة البدويّة المتراكبة مع ثقافة غيبيّة قروسطية لا تمتلك رؤية فكرية فلسفية عن أفق مرتقب مرغوب، ولا عن نظام ديموقراطي حديث، لمصلحة الشعب السوري، أوالسعودي. ولما كان هذا هو الخطاب السياسي المسيطر في السعودية وأذيالها، المتضاد مع الحداثة والمعاصرة، فمن الضروري التمييز بين هذين الفضائين الأخيرين، كنظامي تعقل وحياة، وبين بعض العمران والإنشاءات التحتيّة ذات الطابع الحديث، التي نفذها لهم الغربيون، دون أن تمسّ بنيّة الثقافة البدوية الخليجية المسيطرة هناك، لذا من العبث التوهّم والخلط بين الأمرين، كما يفعل البعض. ولو كانت السعودية تحارب سورية من أجل قضية عالمية إنسانية، لماذا لم تقف في صفّ القانون الدولي الحقيقي، ضد ّ تلاعب أمريكا بمؤسستيه الأرفع: مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة؟ لماذا لم تقف في صف سورية الحضارة العريقة، ضد الإخوان المسلمين وجبهة النصرة وداعش الرجعيين، بغضّ النظر عن نظام الحكم الديكتاتوري فيها، الذي تقع مسؤولية تغييره ديموقراطيا- سلميا،على الشعب السوري، دون سواه، بل ذهبت إلى تدميرها بالتشارك مع أمريكا وإسرائيل، إلا إذا أراد حكام السعودية أن يحاولوا، عبثاً، إقناع الناس بأن تدمير الدولة السورية، وحرق نسيجها مذهبياً، يعني بناءها!؟
يعتبر الخطاب الثقافي المسيطر في السعودية عاملاً مساعداً لتسويق هذه السياسة يحصّن الخطاب السلفي السعودي هويته بصورة قطعية رهيبة؛ يرفض كل فكر سواه، فالحقيقة التي ينطلق منها حكام السعودية التي تعود بجذورها إلى محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابيّة، هي الحقيقة الوحيدة الصحيحة. لذلك، هذا الخطاب الذي ينطلق من ذاته، كنظام إنتاج أطر فكرية ونظم معرفية، يقوم على الواحد، الذي يرجع كل حقول المعارف، عبر اختراقه إياها، إليه. هذه الدوغمائية المعرفية هي التي تمنح النظام السعودي الحق والمشروعية في معاقبة كل من يخرج عن تأويله لتعاليم الإسلام ونصوصه، من هنا، مثلا، جاء نظام «المطاوعة» الرهيب المتربص بالناس في الأحياء والشوارع والمخازن التجارية، ومن هنا جاءت طروحات مشايخهم، كفتوى الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي المملكة، في كتابه «الأدلة النقليّة والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب»، بأن الأرض ثابتة لا تدور، »ومن يقل غير ذلك، فقد كذب على الله»، وكل من كذب على الله أو كتابه الكريم أو رسوله الأمين «كافر ضال مُضِل يُستتاب...وإلا قتل كافرا مرتدّاً...». هكذا، احتكار حكام السعودية للحقيقة، هو الذي جعلهم يمولون من يتوجه إلى بلاد الشام، ليقتلوا «الكفرة» في سورية، لأنهم «ضالون» مارقون، على تعاليم الإسلام، كما يتأوّلونه، ومن الطبيعي أن يفرحوا لهذا القتل والدمار الفظيعين اللذين يأكلان سورية !
يبيّن تفكيك بنية هذا الخطاب الأصولي المغلق، أنه يتعامل مع الحقيقة بصورة دوغمائية أحادية، وأنه يقدّس مشروعية المرجع الديني.. إلى ذلك، يحق القول: يسترهذا النصّ لا حقائقيته بادعاء امتلاكه الحقيقة القطعية الإطلاقية، ويموِّه دنيوته بمزاعم قداسته وتعاليه.
التسويغ المعرفي والسياسي الذي تقدمه السعودية للحرب على سورية، وللدور الفتنوي الإرهابي الفاحش الذي تقوم به، أصبح، إلى حدّ كبير متهافت، ومكشوف لمثقفي العالم وسياسييه ومصلحيه، ولا يُستثنى من هذا إلا حفنة من المثقفين السوريين الذين وظّفوا أنفسهم لدى دول البترو- دولار الخليجي. وبقدر ماهو معقّد مشهد تداخل العوامل، التي تدفع السعودية للحرب على سورية، هو واضح عند تتبع تمفصلاته وتأثيراته البينيّة. فبحكم العلاقة بين الخطاب الثقافي، كمطلٍّ معرفيٍ للحياة ودور الإنسان فيها، وبين السلوك الذي تفرضه هذه الثقافة والمعرفة، يكون الخطاب القروسطي الذي فرضه الحكام في السعودية، هو ضابط السلوكية العام لدى من يتبع آل سعود، وبالتالي لا يرى حكام السعودية بدّاً من محاولة اثبات أنهم حماة الدين والمذهب ضدّ «الهرطقة» و«الكفر»، ولذلك يُجهدون أنفسهم ليصوروا بأنهم يقومون بدورهم بالنسبة للدين والشعب، وبالتالي هم يحاربون النظام السوري لهذا الهدف. لكن هناك حقيقة أخرى أعمق وأكثر أهمية وهي: خضوع السعودية لأمريكا التي تحمي نظامها المتهالك، هو الذي يدفعها للاستجابة لإملاءاتها ، والقيام بالدورالذي تحدده لها في الحرب على سورية، عبر توريد ودعم وتسليح الجماعات الإرهابية و«الجهادية» التي جاءت من أصقاع العالم لتحارب هذا البلد. هنا تلتقي مصلحة آل سعود مع المصلحة الأمريكية والصهيونية، في شنّ الحرب على سورية والمقاومة، والحلف الذي ينضويان في صفه، وعلى رأسه روسيا والصين.