أزمة وفد أم فشل نهج؟

أزمة وفد أم فشل نهج؟

فاجأ كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، مع زميله محمد اشتيّة، الإعلامَ بتقديم استقالتيهما من وفد المفاوضات، لرئيس سلطة الحكم الذاتي المحدود. الإعلان تم بعد انفضاض اجتماع اللجنة المركزية للحزب الحاكم في رام الله المحتلة

واللافت في الاستقالة، أن صاحب موقف «المفاوضات حياة» قد أقدم على الخطوة بعد أن شعر بأن الوفد المقابل له، لم يتقدم بأية أفكار أو اقتراحات تساعد على تحقيق إنجاز ما، يستطيع من خلاله الطرف الفلسطيني المفاوض أن يوفر لمبادرة كيري «عملية التفاوض» إمكانية الدفع للأمام، مبدياً في الوقت ذاته قلقه من قيام حكومة الاحتلال باستغلال اتفاق إطلاق سراح الأسرى القدامى من معتقلاتها، لغايات تعزيز المشاريع الاستيطانية، واصفاً الادعاءات «الإسرائيلية» التي تتحدّث عن أن اتفاق الأسرى قد تضمَّن موافقة السلطة الفلسطينية على تصعيد البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة بـ«الزائفة».

المستقيلون: متمسكون بالتفاوض..

كانت الأشهر الثلاثة، من أواخر يوليو/تموز ولبداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، قد شهدت سبعة عشر اجتماعاً، لم يتوصل الطرفان المتحاوران خلالها لنتائج ملموسة. هذه الفترة الزمنية، كانت كفيلة، لمن يريد أن يستخلص دروسها، لتضع قيادة السلطة أمام ضرورة إجراء مراجعات حقيقية لمسيرة المفاوضات، بناءً على ممارسات حكومة العدو وعلى الموقف الرافض للقوى والهيئات والمؤسسات (جزء منها مشارك في السلطة)، وانطلاقا من التجربة المريرة لمسيرة التفاوض بمختلف تسمياتها ومواعيدها. وبعيداً عن متابعة أحجية الاستقالة إذا كانت حقيقية أم مصطنعة، فإن اللافت لنظر المتابعين للشأن التفاوضي، كان في تفسير موقف رئيس الوفد في كل تصريحاته وإطلالاته الإعلامية التي أعقبت تقديم الاستقالة، المصر على ضرورة «الإعفاء من المهمة»، وبذات الوقت الداعي للتمسك بالمفاوضات حتى نهاية فترة التسعة أشهر المتفق عليها مع الطرف الأمريكي.
التمسك بالأشهر التسعة كان قد أكد عليها رئيس السلطة وهو يستعد لاستقبال الزائر الفرنسي «هولاند»: «الجانب الفلسطيني المفاوض سيستمر في المفاوضات لغاية انتهاء مدة التسعة شهور المحددة، والمتفق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري»، مشدداً على «الالتزام فيها مهما حصل على الأرض»! والذي حصل ويحصل على الأرض الفلسطينية المحتلة من قتل وتدمير، واقتلاع للبشر والحجر والشجر، كفيل ليس بوقف المفاوضات، بل الإطاحة بـ«سلطة»، رسمت وظيفتها اتفاقية «أوسلو» الكارثية.
كانت الأسابيع الثلاثة التي مرت على تقديم طلب الإعفاء تحمل في كل يوم مواقف داخل هيئات السلطة القيادية تتراوح بين أحد احتمالين: قبول الاستقالة أو رفضها. لكن الحزب الحاكم قرر كما جاء في تصريحٍ للوكالات في 20/11/2013 لأحد قادته وهو «نبيل شعث» بــأن «اللجنة المركزية للحركة أوعزت لفريق التفاوض الفلسطيني، المكوَّن من صائب عريقات ومحمد اشتيّه، بتسيير أعمال المفاوضات إلى حين تعيين فريق جديد، وذلك بعد إصرارهم على الاستقالة».
يأتي قرار الإيعاز بتحديد مهمة عمل الوفد كفريق «تسيير أعمال» منسجماً مع حكومات تسيير الأعمال التي تعاقبت خلال مراحل متعددة على عمل حكومات السلطة. كلام شعث بهذا الموضوع جاء متأخراً بتوقيته، لأن الوزيرة في حكومة العدو، ورئيسة وفدها المفاوض، «تسيبي ليفني»، كانت قد صرحت قبل يومين من إعلان قرار اللجنة المركزية بـ«أنه من المتوقع أن تعقد هذا الأسبوع جولة جديدة من المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، بمشاركة رئيس الوفد الفلسطيني صائب عريقات،كما أكَّد لي رئيس السلطة محمود عباس».

مواجهة نهج التفاوض.. بالكفاح المسلح

بعيداً عن الجدل القائم حول الاستقالة والعودة عنها، فإن ما كشفت عنه انعكاسات الخطوة، تؤكد أن الفشل لم يكن مرتبطاً بالأشخاص، بقدر ما يعني سقوطاً وهزيمة لنهج كامل برموزه ومؤسساته. فالاستمرار بالعملية التفاوضية لن يحقق أية مكاسب للقضية الوطنية، كما أن التوقف عن حضور جلساتها لن يفتح الطريق للبدء بوضع خطة عمل وطنية شاملة لمواجهة الغزاة ومخططاتهم.
إن إصرار كبير المفاوضين ورئيس السلطة على استكمال هذا النهج الضار بالقضية التحررية لشعبنا، يتطلب برامج عمل وقيادات وقوى تلتزم ببرنامج كفاحي على الصعد، كافة وفي المقدمة فيه «الكفاح المسلح» من خلال بنى سياسية ومجتمعية، قادرة على إدامة الاشتباك مع العدو، وعلى إدارة حياة المواطنين.
إن الرهان على تحقيق أية مكاسب وطنية من خلال المفاوضات وسياسة التنازلات، محكوم عليها بالفشل، ليس فقط لوجود حكومة «يمينية فاشية»، ولا بسبب الانتقال الكبير في كتلة تجمع المستعمرين الغزاة، نحو مواقف أكثر عدوانية وعنصرية، بل لأن الصراع، بكل أشكاله، مع هذا التجمع وقواه الاحتلالية والفاشية هو الذي يضع الشعب العربي الفلسطيني أمام إمكانية تحرير وطنه.
وإن الذهاب لآخر شوط التفاوض (التسعة أشهر)، إذا لم يجر تمديدها، سيوفر لحكومة العدو الوقت الكافي لتحقيق برنامج بناء المستعمرات، وتوسيعها في الضفة ومنطقة القدس الكبرى وفي الأغوار، ويجعلها تعمل من أجل تنفيذ هدفها الأساس من المفاوضات، كما أوضح ذلك «نتنياهو»، في حديثه لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، عشية زيارة الرئيس الفرنسي: «إن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق تاريخي من خلال المفاوضات إذا وافق الفلسطينيون على جعل دولتهم منزوعة السلاح، وعلى ترتيبات تضمن أمن دولة «إسرائيل»، وخاصة على الاعتراف بالطابع اليهودي لـ«إسرائيل»، ليشكل ذلك ضمانة لعدم طرح مطالب أخرى في المستقبل، مثل إعادة اللاجئين».
إن حراكاً شعبياً واسعاً مدعوماً بقوى التغيير والتحرير، يجب أن يبدأ لمواجهة تلك المهزلة التي يقودها «البعض» من داخل بعض القوى السياسية . فقد أثبتت تجربة السنوات الماضية، أن جلسات الحوار، واتفاقيات التهدئة، والاستعانة بأطراف إقليمية ودولية من أجل توفير أجواء الثقة التي تقود للسلام، لن تجلب لنا وللمنطقة سوى «السلام» الملغوم والمفخخ، الذي يعني في ظل الشروط القائمة، المزيد من التوسع والهيمنة للقوى الصهيوأمريكية.