آل سعود.. والمرأة.. ورأس المال المالي

آل سعود.. والمرأة.. ورأس المال المالي

تتناول وسائل الإعلام المختلفة مملكة آل سعود بخبرين رئيسين، الأول هو المحاولات المتكررة لنساءٍ سعوديات لخرق القيود المفروضة عليهن بقيادة السيارة، والثاني هو التوتر المفاجئ في العلاقات السعودية-الأمريكية، فهل من علاقة؟!

تنم الصورة الأولى أي «منع المرأة من قيادة السيارة» عن صورة الحكم الأشد رجعية في المنطقة، بل ربما في العالم. ففي القرن الواحد والعشرين وخلافاً لكل التشريعات، سماوية أو أرضية، لا يوجد أي مبرر ثقافي أو فكري أو عقائدي لحرمان المرأة من كامل حقوقها. فما بالنا لو تحدثنا عن قضية تافهة مثل قضية قيادة سيارة!!
في الوقت ذاته، يمكننا تلمس وجهاً آخر  للمملكة، وجهاً نقيضاً، فهي منفتحة على أكبر دولة ليبرالية في العالم، وتُعدُّ حليفها الأهم في المنطقة، حيث العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست علاقة تاريخية بدأها الأب سعود بن عبد العزيز، بتعهداته بعدم مخالفة الولايات المتحدة منذ عام 1945 فحسب، بل إن النفط والمال والسلاح والتطرف والارتباط بالحركة الصهيونية العالمية كلها قواسم مشتركة بين حكم آل سعود الرجعي، وحكم إمبراطوريات المال في «وول ستريت».
نفط المملكة وطغيان رأس المال المالي
يقول التاريخ إن شركات النفط الكبرى، والأمريكية تحديداً، كونت مليارات الدولارات على حساب نفط المملكة. فحوالي 20%، فقط، من عوائد النفط تعود للمملكة السعودية (أغلبها للأمراء طبعاً)، بينما يعود الباقي لشركات النفط العالمية. لعل أكبر نتائج  هذه العملية، ماحصل في مرحلة الثمانينيات، التي شهدت توسعاً هائلاُ في استثمارات رأس المال المالي، فبعد ارتفاعات أسعار النفط الهائلة، من 7 دولار للبرميل في أوائل السبعينيات، إلى 30 دولار في الثمانينيات، أدت هذه الفوائض المكدسة بالمصارف العالمية والأمريكية منها إلى إطلاق العنان للعقيدة الاقتصادية الجديدة «النيوليبرالية»، أو نموذج «ريغان ـ تاتشر».
النيوليبرالية عقيدة العالم الغربي
استندت «النيوليبرالية» إلى الخلاص من دور الدولة، والتحول من قطاعات الإنتاج الحقيقية «الزراعة ـ الصناعة»، والعمل على استثمار هذه الأموال الهائلة في الإقراض والمصارف. وقد حققت تلك الأموال أرباحاً هائلة، ففي الثمانينيات، بلغت معدلات الفائدة في المصارف الأمريكية 20%، وكانت نتيجتها المدمرة هي إغراق الكثير من دول العالم الثالث في أزمة مديونية، بعد إغرائها بنموذج التنمية القائم على الاقتراض، عبر صندوق النقد والبنك الدوليين. أفلست حينها العديد من دول العالم الثالث، وتحديداً دولة الأرجنينتن، التي أُلحقت بالنموذج الغربي نتيجة لهذه السياسة، كما العديد من دول أمريكا اللاتينية. كما كانت أخطر النتائج في منطقتنا هي التأثير على العديد من القوى السياسية والأنظمة التقدمية، في حينه، عبر المال السياسي (فقد تم إغراق الحركة الوطنية الفسلطينية بمليارات الدولارت، بذريعة دعمها، مما أثر على مسار تطورها باتجاهات لا وطنية، كما حازت سورية على مساعدات سنوية طوال فترة السبعينيات، بقيمة 1,5 مليار دولار، سرعان ما تقلصت في الثمانينيات إلى 300 مليون دولار، مما أضر بنموذجها التنموي المستقل).
وظيفة إنقاذ المركز ونشر الفاشية
يتأزم النظام الرأسمالي العالمي اليوم، وتحديداً ذلك الجانب الذي ازدهر في العقود الماضية، وهو القطاع المالي والمصرفي الربوي، والذي تعتبر السعودية شريكاً سياسياً واقتصادياً له، حيث تمول السعودية ثاني أكبر صندوق مالي سيادي في العالم، «صندوق مؤسسة النقد السعودي ـ ساما»، الذي يستحوذ على 675 مليار دولار، ويأتي «صندوق جهاز أبو ظبي للاستثمار» ثالثاً بـ 627 مليار دولار.
تكشف هذه الأزمة عن طبيعة الترابط العضوي بين المملكة، كحكم رجعي، والمراكز المالية العالمية، عبر إسهاماتهم بتأسيس أسوأ التنظيمات الإرهابية، تنظيم «العرب الأفغان» وتنظيمات «المجاهدين» في الشيشان، والتي مُولت وسُلحت من الولايات المتحدة والسعودية، وتحديداً من قبل شركات «بن لادن»، التي تعمل بشكل رئيس في قطاع الاستثمار العقاري على مستوى العالم. كما أن صفقة السلاح الأمريكية ـ السعودية الأخيرة، التي بلغت قيمتها 60 مليار دولار، وتوفير 77 ألف فرصة عمل في الولايات المتحدة إثر تلك الصفقة، تعتبر مؤشراً آخر على هذا الترابط العضوي.
ربما بالإمكان الآن استخلاص روابط ما بين الحكم الرجعي السعودي، والداعم لأحد أهم أشكال الفاشية اليوم، «التنظيمات التكفيرية»، ورأس المال المالي الحاكم في «وول ستريت»، واستنتاج بنية هذه القوى الفاشية، عبر العودة إلى تعريف «جورجي ديمتروف» عام 1935 حول الفاشية، والذي يقول: «الفاشية ديكتاتورية إرهابية سافرة للعناصر الأكثر رجعية وشوفينية وإمبريالية لرأس المال المالي».