الحراك الشعبي العراقي بين الحتمية والإرادوية المهزومة
ظهر القلق العراقي من الحراك الشعبي الذي انطلق مجدداً في 31 آب 2013 على ثلاث قوى رئيسية متباينة الاتجاهات.
تكمن القوى الأولى في قوى المحاصصة الطائفية الاثنية الحاكمة، التي ترى فيه خطراً حقيقياً على سلطتها، فيما إذا انتقل هذا الحراك من حالة تبني المطالب الجزئية كمطلب «إلغاء تقاعد البرلمان) إلى المطالب الرئيسية كمطلب «إسقاط البرلمان نفسه) على سبيل المثال لا الحصر
أما القوى الثانية فممثلة ببقايا الاحتلال الأمريكي، التي بدأت تستشعر الخطر الحقيقي على نفوذها ودورها في العراق بعد ثورة 30 يوينو المصرية التي أطاحت بسلطة الإخوان المسلمين صنيعتها، ومن ثم إمكانية تكرار المشهد في العراق بإسقاط قوى الإسلام السياسي الحاكمة فيه، وعليه أخذت تعمل على فسح الطريق للخط الاحتياطي الثاني من أتباعها في العراق، والذين يطلق عليهم تسمية القوى الليبرالية، ممهدة لذلك بالكشف عن محاولة انقلابية زاعمة «اقتحام المنطقة الخضراء وسط إطلاق صواريخ عليها والتوجه مباشرة لاغتيال المسؤولين وفي مقدتهم نوري المالكي واحتلال مبنى شبكة الإعلام العراقية». يقول البعض إن هذا السيناريو هو رسالة لإيران مفادها بأن اليد الطولى في العراق هي الأمريكية في نهاية المطاف، وما إيران سوى لاعب ثانوي.
القوى الوطنية في المواجهة
لعل القوى الثالثة متمثلة بالقوى الوطنية العراقية وضمنها المنظمات المدنية المشاركة في الحراك الشعبي، المتخوفة هي الأخرى، بحجة مفادها أن انتقال هذا الحراك إلى مرحلته العليا، أي، الثورة الشعبية، سيصطدم باستحالة اجتياز المرحلة الأصعب، ألا وهي الانتصار دون تعريض الدولة العراقية إلى التفكك، نتيجة انعدام الإمكانية الذاتية والموضوعية للحفاظ على الدولة، خصوصاً، بسبب طبيعة تركيبة القوات المسلحة العراقية التي أُسست إثر حل الجيش العراقي الوطني على أساس العقود المليشياوية الفردية والحزبية.
يأتي هذا القلق العام وسط وضع أمني في غاية التدهور، وتداعيات الأزمة السورية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية، مما انعكس على منسقيات الحراك ذاتها، حيث يسود نشاطها الحذر الشديد من ظهور أي شعار مفاجئ وسط الجماهير الغاضبة، ومن ثم يصبح من المستحيل السيطرة على طبيعة الحراك المطلبية المحدودة. ولعل تجربة الصدام الذي جرى في مدينة الناصرية بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية رغم حصول التظاهرة على إجازة رسمية، قد قدم نموذجاً على هذا التخوف، إذ رفعت الجماهير شعارات تصف السلطة بالحرامية وتحولت في العديد من شعارتها بعيداً عن الشعار الرئيسي المرفوع في عموم التظاهرات، ألا وهو «إلغاء تقاعد البرلمان».
أما الأمر الذي يغيب عن تفكير القوى الثلاث هذه ولأسباب متفاوتة، هو أن الانتفاضة الشعبية متفجرة حتماً، ولا يمكن لأيٍ منها، هزيمتها، أو تقنينها بسقف مطلب محدود، أو مصادرتها على يد قوى ليبرالية.
صباح الموسوي : منسق التيار اليساري الوطني العراقي وعضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك