النيوليبرالية: كارثة الشعب التركي
تمَّ انتخاب حزب «العدالة والتنمية» ثلاث مرات، وقد حكم تركيا لمدة عشر سنوات. وفاز في الانتخابات الأخيرة بنسبة 49.9% من الأصوات، أي أن معظم الأتراك لم يصوتوا «للعدالة والتنمية».
كان تحويل تركيا إلى ملاذ للأجور المتدنِّية، خدمةً للشركات المتعدِّدة الجنسيات وللنخبة الكمبرادورية المحلية، هو الهدف الرئيسي للإنقلابات المدعومة أمريكياً (كما هي الحال في الأرجنتين 1976 وتشيلي 1973). يقول الصحافي «برهان أكنسي» إن: «الهدف الاستراتيجي كان ربط تركيا بنمط الاقتصاد العالمي المدعوم من الشركات الكبرى».
الخصخصة من الجنرالات إلى أدروغان
فقد فرض الجنرالات خصخصة واسعة النطاق أدَّت، حتى الآن، إلى بيع 200 مؤسسة حكومية، وترافقت مع تحرير مالي، ترويج للاستثمارات الأجنبية، وقمع للنقابات. وقد تمّ بيع الأصول الوطنية التركية، الأكثر قيمة، لشركات أجنبية تزوَّدت بعمالة رخيصة، فجعلت الاقتصاد يعتمد على تدفُّق غير مستقر لرؤوس الأموال المضاربة. هذا النموذج الاقتصادي النيوليبرالي عزَّز رأسمالية المحاسيب(*)، وارتفاع مستويات الفساد، وتصاعد غير مسبوق للامساواة، والفقر الهائل. ومثل هذا النظام الاقتصادي الاستغلالي يتطلّب أيضاً قمعاً لا يرحم للمعارضة للحفاظ عليه، فالعسكر سجنوا 650 ألف شخص منذ الثمانينات، وعذّبوا مئات الآلاف، فضلاً عن مئات المفقودين.
الأزمة الاقتصادية وتزايد القمع
منذ الأزمة المالية عام 2008، والركود المحلي الحادّ عام 2009، خفَّضت نخبة رجال الأعمال الأتراك الأجور بشكل كبير وسرَّحت مئات العمال، فارتفعت معدلات البطالة إلى 16% (22% للشباب). كذلك قُمعت الحقوق النقابية الأساسية وسجن مئة ناشط نقابي بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.
تلك السياسات الرسمية التركية جعلت الاستثمارات تتدفَّق. في هذا الإطار، ذكر موقع العالم الاشتراكي: «العمَّال الأتراك واجهوا هجوماً وحشياً من البنوك والشركات الدولية، الذين يرون البلد منصّةً رخيصة للعمالة ومصدراً للأرباح الفاحشة».
واليوم، تحلُّ تركيا بالمرتبة الثانية لجهة أعلى مستوى تفاوت في المداخيل من بين الأعضاء الأربع والثلاثين في منظمة الاقتصاد للتعاون والتنمية «OECD»، فأغنى 10% من الأتراك لديهم دخل مضاعف خمس عشرة مرة عن دخل الـ10% الأكثر فقراً. هذا و تتَّجه البلد بوتيرة متصاعدة نحو الانخفاض النسبي للتصنيع مع تزايد للواردات يغذِّي العجز التجاري المتصاعد.
يستمرُّ أردوغان بتوسيع برنامج الخصخصة، فأراد مؤخَّراً تحويل منتزه «غيزي» إلى مركز تسوُّق لجذب السيَّاح والاستثمارات الأجنبية كجزء من خطة «تحسين» اسطنبول، إلا أن مخطَّطه هذا، كان الشرارة التي أشعلت انتفاضة شعبية تحمل في طيّاتها سخطاً على سياسات الخصخصة التي أفقرت الكثير من الأتراك فجعلت ثلثهم (23.6 مليون نسمة) غارقين في الفقر.
* رأسمالية المحاسيب: توصيفاً لضربٍ من الرأسمالية التي نمت من خلال صلات القرابة وعلاقات المصالح التي نشأت بين رجال الأعمال وبعض دوائر الحكم.