لبنان: أداة الفتنة «أسيراً» للتوازن الدولي
ثائر عبد لكي ثائر عبد لكي

لبنان: أداة الفتنة «أسيراً» للتوازن الدولي

لم يكن لبنان يوماً قادراً أن «ينأى بنفسه» عن تطورات الساحة السورية. حتى السياسيون اللبنانيون ممن هلَّلوا لسياسة النأي هذه، سرعان ما اصطدموا بالواقع وأدركوا أنهم يطالبون بأكثر مما تستطيع بنية المجتمع اللبناني أن تتحملّه.

وشكَّلت الأحداث الأخيرة في مدينة صيدا الجنوبية تأكيداً جديداً لهذا الواقع، ووضعت في الوقت عينه تساؤلات عدة حول ظاهرة «أحمد الأسير» بطوري صعودها وهبوطها، والأسباب التي دفعت إلى كل منهما..

الظاهرة في زمانها ومكانها
خرج «الأسير» مرة واحدة في خطاب له بعد الأحداث الدامية التي شهدها لبنان في السابع من أيار عام 2008، وهي المعارك التي نشبت عقب اعتداء حكومة رئيس الوزراء السابق «فؤاد السنيورة» على أجهزة اتصالات المقاومة، يومها أدى شيخ جامع «بلال بن رباح» وظيفته في تصوير المعركة بأنها تعدي على حقوق إحدى الطوائف الدينية في لبنان، وبعدها خفت نجمه ولم يعاود الظهور من جديد حتى منتصف عام 2011.
تزامن ظهوره الجديد مع ارتفاع وتيرة العنف وفوضى السلاح على الساحة السورية، ليوجه سهامه هذه المرة إلى «حزب الله» بشكلٍ مباشر عن طريق التجييش المذهبي العلني، والمطالبة بتسليح «جماعته» وشدّ عصب أنصاره المُثقلين بذاكرة مخيم «نهر البارد» وأحداث السابع من أيار..
حتى مكان نفوذ «الأسير» لم يكن محض مصادفة، فصيدا المدينة التي تعتبر البوابة وصلة الوصل بين الجنوب اللبناني والعاصمة بيروت، أدرك وأنصاره أهميتها كورقة ضاغطة على سكان الجنوب عموماً، و«حزب الله» خصوصاً وهذا ما دفعه إلى سلسلة التصعيد في قطع أوصال المدينة أياماً عديدة ولأكثر من مرة..
في الواقع، لم يكن «الأسير» أكثر من مجرد أداة أمريكية مهمتها الأساسية العمل على خلق صاعق انفجار جاهز لتوسيع نطاق المعركة السورية لتشمل اقتتالاً ما بين اللبنانيين، في سياق السعي الأمريكي لإشعال المنطقة، ولم يلزمه سوى المواءمة ما بين عنصري الزمان والمكان المناسبين لهذا الصاعق.
سحب الغطاء السياسي
كان «الأسير» وحيداً في معركة صيدا الأخيرة، فلم يستجب لنداءات استغاثته سوى العناصر التكفيرية في تنظيمي «فتح الإسلام» و«جند الشام» المتمركزين في مخيم «عين الحلوة» للاجئين الفلسطينيين. وخذلته قوى الرابع عشر من آذار ومن يدور في فلكها، والتي كانت تشكِّل له حتى الأمس القريب الغطاء السياسي الذي حال دون قدرة الجيش اللبناني، المحكوم بتركيبة «اتفاق الطائف»، على الحسم ضده.
«وليد جنبلاط» المنشق ظاهرياً عن قوى الرابع عشر من آذار، أضاف «لحظة تخلّي» أخرى على قائمة تخلياته المعهودة، فالذي كان يطالب البارحة علناً «بإسناد حقيبة وزارية إلى الأسير، تماشياً مع الأمر الواقع» بات اليوم يزاود على الجيش اللبناني في رفضه الكامل لهذه الظاهرة، والمطالبة بالقضاء عليها. أما النائب «بهية الحريري» فباتت «تؤنب» الجيش اللبناني وتحمله مسؤولية هرب «الأسير» حياً من صيدا..
إن مجمل هذه التصريحات لم تكن عبثية، ولم تكن ناتجة عن تعاطف مع ما تعرض له الجيش اللبناني بالتأكيد، إنما وبحكم التطورات التي طرأت على مجريات الأزمة السورية، والتوازن الدولي الجديد الذي فرض تراجعاً للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وبحكم الانعكاس الطبيعي لهذا التوازن على المستوى الداخلي لبلدان الإقليم، كان لا بد من رفع الغطاء السياسي عن «الأسير» وأنصاره، والتوجه نحو التخفيف من حدة الخطاب السياسي بما يلائم الموقع الجديد للأقطاب الداخلية التابعة للقوة الدولية الآخذة بالتراجع.