خبير بيئي يفنّد تقارير وضعت سورية تحت خط الفقر المائي ويلقي اللوم على سوء الإدارة

خبير بيئي يفنّد تقارير وضعت سورية تحت خط الفقر المائي ويلقي اللوم على سوء الإدارة

اتت أزمة المياه من المشكاكل البارزة التي تواجه المواطن السوري على الصعيد الفردي، وسورية كدولة، بعد أن تم تصنيفها من الدول الواقعة تحت خط الفقر المائي، وتبرز إلى الواجهة مجدداً مع هذه الأزمة علامات استفهام عن دور المعنيين بالأمن المائي، وغياب مشروع وطني يهتم بالموارد المائية، وقادر على إدارة تلك الموارد بكفاءة ليمنع هدرها، وبشكل غير منقطع عن صلته الوثيقة بالسياسات الزراعية للبلد والاقتصاد الوطني، التي تبقى العامل الأهم في استهلاك المياه و بالوقت نفسه المتأثر الأكبر من فقدانها.

وفي هذا السياق توجهت (قاسيون) في حديثها مع أحد خبراء البيئة لعرض بعض النقاط ذات الصلة..

هدر 70% من المياه العذبة
اعتبر خبير بيئي، فضل عدم ذكر اسمه، أن مشاريع تحلية المياه مكلفة كثيراً بحيث لم نصل إلى مرحلة بتنا نحتاج فيها تلك المشاريع، حيث المياه في سورية مازالت متوفرة، إن تم معالجة جذور المشكلة الأساسية وليس الفروع فقط.
وأوضح الخبير «إن أهم مشاكل المياه، هي الهدر بالشبكات، وتحديداً شبكات الري وليس شبكات الشرب والاستعمال المنزلي، حيث تقدر نسبة الهدر بحوالي 70%، علماً أن معظم المياه في سورية مخصصة للري»، لافتاً إلى محاولات الحكومة لإقناع المواطنين بأن الهدر هو على المستوى الشخصي.
ولفت الخبير إلى أن معدل المياه الممنوح للشخص الواحد في سورية أدنى بكثير من معدل استهلاك الفرد على المستوى العالمي، وذلك رغم وجود كميات مضاعفة من المياه في سورية حتى مع موجات الجفاف التي تتعرض لها المنطقة، لكن استمرار الهدر بالشبكات هو أساس المشكلة وسببها الرئيس، إذ من المفترض أن يتم تركيز عمليات الصيانة والإصلاح على شبكات الري، خاصة إذا علمنا أن مياه الري في غالبيتها صالحة للشرب، ومثال على ذلك مياه الفرات التي يتم جرها إلى حلب وسقاية الأراضي الزراعية بين المنطقتين منها.

فساد يهدد المحاصيل
وكشف الخبير البيئي عن عمليات استنزاف للمياه في العام الماضي في طرطوس لمصلحة أراضٍ زراعية تعود ملكيتها لبعض المتنفذين، ما دفع بالدولة هذا الموسم للطلب من المزارعين عدم زراعة أراضيهم بسبب قلة الموسم المطري الذي لم يكن كافياً لتغطية النقص المحدث، وبالتالي هذا سيؤثر بالتأكيد على توفر المحاصيل التي لن تتم زراعتها ما يستدعي استيرادها من الخارج، أي أن أسعارها ستكون مرتفعة، ومرهقة لجيب كل مستهلك.
وأضاف الخبير إن الرواية التي تقول إن تدفق النازحين إلى مدينة طرطوس هو سبب في أزمة المياه الحاصلة فيها، ليس منطقياً على الإطلاق، حيث إن نسبة الهدر الموجودة المقدرة بـ70% ونسبة مياه الري 20% تعني بالمطلق أن المياه المخصصة للشرب لا تزيد عن 10%، وفعلياً لو تمت معالجة الهدر لما شكل النازحون أي أزمة، إذ أن تواجدهم أمر ثانوي في حل المشكلة الرئيسية.

تغيير طرق الري جزء من الحل
وفيما يتعلق بأنواع الزراعة في سورية ودورها في أزمة المياه، بيّن الخبير أن الزراعات المروية في منطقة الجزيرة وخاصة محصول القطن الاستراتيجي الذي يتطلب كميات مياه كبيرة، لا يجب أن يدفعنا بالتفكير إلى التخلي عن هذه الزراعة، بل بالبحث عن طرق تخفف من حاجته للمياه، عبر مراكز البحوث.
وأضاف الخبير إن وجود صناعات مستهلكة للمياه أمر مؤثر في أمننا المائي، مثل صناعة الأسمنت، حيث تم منح تراخيص لعشرين معملاً قبل الأزمة، ولم نكن حينها بحاجة هذا العدد من معامل الأسمنت، ولو تم احتساب تكلفة استيراده لكانت أقل من تصنيعه.
وفيما يتعلق بطرق الري المتبعة، قال الخبير البيئي إن «المزارعين في منطقة الجزيرة اتبعوا طريقة الري بالغمر التي لم تناسب التربة وتستهلك كميات كبيرة من المياه، ما أدى لتملح التربة وخروجها من الزراعة، واستنزاف المياه في الوقت ذاته».
وأشار الخبير إلى أنه يجب على الدولة أن تدعم المزارعين حتى يتمكنوا من الاعتماد على طرق الري الحديثة بالتنقيط أو بالرذاذ، فهي رغم تكاليف البنية التحتية الباهظة للمرة الأولى، إلا أنها توفر المياه مع تواتر الاستخدام، لكن المزارعين البسطاء غير قادرين على تحمل تكاليف استعمالها والحصول عليها.

تحذيرات لم تلق مستجيباً
وأكد الخبير البيئي أن التحذيرات من الخطر المتمثل بفقدان الموارد المائية يجري التحذير منه منذ 5 سنوات، ونحن الآن بدأنا نعاني نتيجة عدم قيام مراكز البحوث الزراعية والأرصاد الجوية وغيرها من هيئات معنية بالبيئة، بدورها فيما يتعلق بدراسة العوامل البيئية والتغيرات المناخية وكيفية التأقلم معها لناحية الدورات الزراعية التي تتأثر بشكل أساسي بهذه التغيرات وتؤثر بدورها بالمناخ.
ونوه الخبير إلى سوء إدارة الموارد المائية في سورية على مر التاريخ، معتبراً الآونة الأخيرة الأسوأ على الإطلاق لعدم وجود مشروع وطني لحل الأزمة والحفاظ على المياه، أو حتى إجراءات كفيلة باستئصال الفساد في جسد الدولة الذي باعتراف مؤسسات المياه يسبب أكبر نسبة هدر للمياه على المستوى الشخصي.

سورية في 2009 غنية بالمياه!
وبالمقارنة مع البلدان الأخرى في الشرق الأوسط، لا تعد سورية بلداً فقيراً من حيث المياه، فوفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جاءت سورية في المرتبة 13 من بين 20 دولة عربية من حيث نصيب الفرد من الأمطار، كما أن نصيب الفرد السنوي من استهلاك المياه هو 300 متر مكعب، مما يجعلها تحتل المرتبة التاسعة في قائمة مؤلفة من 18 دولة عربية، ومع ذلك يبقى نصيب الفرد من المياه أقل بكثير من عتبة ندرة المياه المحددة عالمياً بـ 1,000 متر مكعب للفرد الواحد سنوياً والتي يصل متوسطها العالمي إلى 6,750 متر مكعب سنوياً.

وشبه جافة مؤخراً
وتعتبر سورية حسب المعايير الدولية المتفق عليها عالمياً من البلدان شبه الجافة بالمياه نظراً لمواردها المائية المحدودة وحتى لا تكون تحت خط الفقر يجب أن يصل إجمالي موارد المياه المتاحة في سورية إلى 23 مليار م3 من المياه على اعتبار خط الفقر المائي هو ألف متر مكعب من المياه سنوياً للفرد سواءً من الطرق التقليدية مثل الينابيع والأنهار والسدود أو الطرق غير التقليدية مثل مرتجعات الصرف الزراعي ونواتج محطات المعالجة مع الأخذ بعين الاعتبار أن إجمالي الموارد المتاحة من المياه في سورية حالياً لا تتجاوز 16 مليار م3 بعد عملية البخر ما يعني وجود فجوة ما بين الرقمين تبلغ حوالي سبعة مليارات م3 ما يعني أننا في سورية تحت خط الفقر المائي.
ويقدر متوسط الهطل المطري السنوي بحوالي 46.63 مليار م3 بالسنة ويبلغ المعدل الإجمالي لمصادر المياه الداخلية المتجددة حوالي 9.026 مليارات م3 سنوياً منها 5.095 مليارات م3 سنوياً لمصادر المياه الجوفية المتجددة.
في حين يشكل المعدل الوسطي لإجمالي الجريانات السطحية في سورية حوالي 3.931 مليارات م3 سنوياً، وتبلغ حصة سورية من نهر الفرات وفقاً للبروتوكولات المؤقتة الموقعة مع دول الجوار «العراق- تركيا» حوالي 6.627 مليارات م3 سنوياً، ويبلغ عدد السدود المنفذة 161 سداً يتم استثمارها بطاقة تخزينية تصميمية تصل إلى 18820 مليار م3 منها 158 سداً ضمن نطاق عمل الهيئة وبطاقة أعظمية تصل إلى 2.746 مليار م3 وبلغ حجم التخزين حسب القياسات المائية في الشهر الخامس من العام الحالي 880 مليون م3 في حين بلغ حجم التخزين في العام الماضي 1.6 مليار م3 ونتيجة التوسع في المساحات المروية على المصادر المائية وبفعل تأثيرات الجفاف في السنوات الأخيرة ازداد الطلب على كميات المياه للري عن الواردات المائية المتجددة ما أدى إلى جفاف بعض الينابيع والمجاري المائية التي كانت تزود شبكات الري العمومية بالمياه، حيث بلغت المساحات المروية المخطط لها وفق الخطة الزراعية لهذا العام على السدود 480 ألف هكتار.
أما المساحات المروية الأخرى البالغة مليون هكتار فهي تروى بشكل أساسي من المياه الجوفية وتشكل مياه الصرف الصحي المعالجة وغير المعالجة أحد مصادر الري وكان يتم استثمار 30 محطة معالجة في سورية تعالج 800 مليون م3  سنوياً ولكن ذلك لا يتم في الوقت الحالي الذي توقفت فيه معظم محطات المعالجة عن العمل، وتقوم الهيئة العامة للموارد المائية حالياً بتحليل البيانات المتعلقة بكافة الأحواض المائية ليتم تأمين الاحتياجات المائية على حساب المخزون المائي الجوفي كما يحصل في حوض دجلة والخابور.
وأدخل بالاستثمار خلال النصف الأول من هذا العام نحو 345 بئراً جديدة في المحافظات كافة تنتج نحو 287 ألف م3 باليوم وهذه الكمية تعادل 9% من إجمالي إنتاج المياه اليومي في كامل القطر ومن كافة المصادر وسوف يستمر حفر الآبار الجديدة الإسعافية لتأمين مياه الشرب ليصل عدد هذه الآبار كما ورد في الخطة الإسعافية لهذا العام إلى 434 بئراً لإنتاج 522 ألف م3 يومياً من مياه الشرب لرفع حصة الفرد من مياه الشرب والاستهلاك المنزلي في مواقع الحصة المتدنية لرفعها لتصل إلى 60 ليتراً على الأقل في اليوم، بحسب تصريحات مدير عام الهئية العامة للموارد المائية.
وتقع معظم الأراضي السورية في المناطق الجافة وشبه الجافة إذ إن أكثر من نصف الأراضي السورية تتلقى هطولات أقل من 220 ملم، والهطولات غير منتظمة وتختلف من سنة إلى أخرى.
ويبلغ مجموع الهطولات المطرية على الأراضي السورية نحو46  مليار متر مكعب.
وتقسم سورية إلى سبعة أحواض مائية حوض حلب والفرات، حوض دجلة والخابور، الحوض الساحلي، حوض البادية، حوض العاصي، حوض نهري بردى والأعوج، حوض اليرموك.
وتنقسم الموارد المائية في سورية إلى قسمين:
1. موارد مائية تقليدية : تتضمن المياه السطحية والمياه الجوفية والهطولات .
2. موارد مائية غير تقليدية : تشمل مياه صرف صناعي– مياه صرف صحي– مياه صرف زراعي– مياه استمطار– مياه تحلية.
تقسم الموارد المائية التقليدية إلى موارد مائية سطحية وجوفية، وتستعمل المياه السطحية كلياً للإمدادات المائية المنزلية ولأغراض الصناعة والري، ويستهلك القطاع الزراعي نحو 81 % من الموارد المائية المتاحة.