(الخطوط الحمراء) تتساقط واحدة تلو الاخرى..

(الخطوط الحمراء) تتساقط واحدة تلو الاخرى..

لم يعد يوصف سعر الخبز بالخط الأحمر، وإلا لِمَ تطاول اصحاب وصانعو القرار الاقتصادي عليه؟ ورفعوا سعره بنسبة 66% (من 15 إلى 25 ل.س للربطة الواحدة).

ولا نقصد هنا الحكومة منفردة، لأنها ليست بصانعٍ للقرار الاقتصادي بمفردها، إن لم نقل إن دورها هامشي يقتصر على إصداره فقط، فالخطوط الحمراء (الخبز) - كما أسماها بعض المسؤولين الحكوميين - سقطت، وسقطت معها شرائح جديدة من السوريين في حالة أشد فقراً، فمن هو أكثر من الخبز ارتباطاً بتدني معيشة السوريين بعد الرفع الحالي لسعر ربطة الخبز؟!

من محرك العجلة الاقتصادية؟!
في عجقة الانفتاح الاقتصادي، والتوجه الليبرالي، والسياسات الاقتصادية للحكومة السورية خلال العقد الماضي، وخلال عملية التحول الاقتصادي، كما كان يحلو للبعض تسميتها، تضخم الخلل البنيوي القائم في تركيبة المجتمع السوري من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، لأن تلك السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة أدت لتآكل الطبقة الوسطى في البلاد، وزيادة معدلات الفقر بعد سلسلة من القرارات الاقتصادية التي تتصل بإلغاء الدعم، وهذا ما اعترف به محللون اقتصاديون لاحقاً، على الرغم من تجاهلهم وإنكارهم هذه الحقيقة لسنوات طويلة من قبل، ومن هذا المنطلق نسأل: ما هو حال هذا الفرز الطبقي اليوم؟! وعلى أي الطبقات الاجتماعية يعوّل أصحاب القرار الاقتصادي ممن يتخذون القرار تلو الآخر ليكون المحرك للعجلة الاقتصادية؟! 
20% يعانون فقر الغذاء!
الخارطة الاجتماعية تنبئ بأن رفع سعر الخبز سيؤثر بشكل مباشرة على ذوي الدخل المحدود، وهم الاكثرية الساحقة في المجتمع السوري، خاصة وأن أخر التقارير الدولية والمحلية تحدثت عن وصول نسبة الفقر إلى 54% في البلاد، في الوقت الذي كانت تقول فيه الحكومة إن النسبة لا تتعدى 12% في عام 2010، بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة إلى 50%، بعدما كانت تتحدث الأرقام الرسمية عن نسبة 8.4 في عام 2010!!. 
قد ينظر البعض إلى زيادة الليرات العشر على الربطة الواحدة من الخبز بالزيادة الهامشية، وغير ذات أهمية، ليصل إلى نتيجة مفادها، أن القرار لا يحتاج لضجة إعلامية أو استياء شعبي، على قاعدة أن الغلاء هو سيد الموقف في هذه الأيام، انطلاقاً من تحليلات بعيدة عن الواقع، إلا أن ما كشفه تقرير صادر عن الامم المتحدة عن أن أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر شديد، وبأن الاسوأ هو معيشة نحو 20 في المئة من السكان والذين يعيشون في فقر مدقع (فقر الغذاء) يوضح الصورة، وينبئ بأن هذا القرار سيكون الكارثة على رؤوس هؤلاء، فليس هذا القرار وحده، وإنما هو في سياق سلسلة من القرارات السابقة واللاحقة التي اتخذت في مجال رفع أسعار المشتقات النفطية (مازوت، بنزين، غاز، المواد التموينية)، والتي يضاف إليها الغلاء الحاصل في أسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه، التي ستشدد الخناق على كفاية هذه الشريحة العريضة من الغذاء بالدرجة الأولى، لتضيق معها مساحات الحد الأدنى من العيش الكريم.
الحل السهل.. جيب المواطن!!
لم تكن قرارات إلغاء الدعم التي تتخذها الحكومة واحداً تلو الاخرى، والتي كان رفع سعر ربطة الخبز إلى 25 ل.س أخرها، إلا امتداداً طبيعياً لمخطط سارق ثروات الشعوب (البنك الدولي وصندوق النقد)، والمنسجم مع الساعين للحفاظ على مصالح طبقة الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال، والذين لا تتأثر مستويات معيشتهم بالغلاء، ولا يعنيهم رفع سعر ربطة الخبز إلى 25 ل.س..
هناك من يسوّق لرؤية حكومة تقول برفع سعر الخبز، وإلغاء الدعم عن المواد المدعومة لتأمين الموارد، وتخفيف عجز الموازنة العامة للدولة، وهذا ما يصفه البعض الآخر بالحل الأسهل، والبعيد عن أي ضغوط على أصحاب رؤوس الأموال والثروات، وهذا ما دفع بالبعض للتساؤل، ألا يوجد من حلول بين أيدي الحكومة سوى جيوب المواطنين لتأمين الموارد؟! فنحن من قلنا أكثر من مرة بضرائب مرتفعة على الأغنياء، واستشهدنا بالداعين لفرض ضرائب إضافية على الأغنياء، على نقيض السعي الحكومي لإقرار خطط تقشفية سيدفع ثمنها شرائح واسعة من محدودي الدخل في تلك المجتمعات، في أعقاب الأزمة العالمية التي هزت أركان الاقتصاد في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا على حدٍ سواء، وهذا ما دفع بعض الحكومات إلى فرض ضرائب مباشرة على الثروات، إلا أن دعوتنا لم تلق آذاناً صاغية من جانب صانعي القرار الاقتصادي، إلا أن هناك من لا يريد الحديث عنها أو نقاشها، حفاظا على مصالحه أولاً، وعلى مكتسبات الشريحة التي ينتمي إليها ثانياً..