الحمضيات، موسم جديد تحت وطأة السياسات المجحفة بحق المزارع والمستهلك لصالح حيتان الأرباح...!
مع أولى لحظات جني محصول الحمضيات، كان يأمل مزارعوه بخيره وبركته، إنتاجاً وفيراً وعائداً مالياً يغطي تكاليفه المرتفعة، وربحاً مجزياً يعوّض تعبهم طيلة العام، بعد أعوام من ظلم السياسات الحكومية المتعاقبة لضرب الموسم وتحقيق مصلحة شريحة النهب والفساد والقائمين على عمليات التسويق والاستيراد والتصدير على حساب حرق المواطن «المنتج والمستهلك» على حد سواء، لكن على ما يبدو هذا الموسم لا يختلف كثيراً وإن اختلفت الحكومة، فعقلية السياسات المجحفة متجذرة وثابتة على مرّ العقود!
السعر يأكل الربح والتكلفة
معاناة المزارع تبدأ من فقده كل أشكال الدعم الحكومي لمستلزمات الإنتاج، من تأمين الأسمدة والمبيدات والمحروقات بأسعارها المرتفعة، إلى ما يواجهه المحصول من متغيرات جوية وعوامل مناخية، ولا تنتهي بجني المحصول وأعبائه، وصولاً إلى عملية التسويق التي تضعه أمام خيارات قاسية، فإما يتحمل تكاليف النقل المرتفعة وبيعه مباشرة في السوق فيخسر، أو ينتظر سعراً مناسباً فيتلف محصوله، أو يبيعه بسعر بخس تحت رحمة من لا يرحم من التجار، فلا يغطي تكلفة الإنتاج.
فقد باع أحد المزارعين الكيلو غرام الواحد بسعر يتراوح بين 3500-4000 ل.س من الأرض، وفي مادة سابقة في العدد 1250 تم التوضيح أن تكلفة إنتاج الكيلوغرام من الحمضيات كانت 3500 ل.س، والنتيجة أن هذا المزارع بالكاد غطى تكاليفه مع هامش ربح شبه معدوم، والخسارة بالنسبة إليه كانت مضنية أثقلت كاهله بالديون، لتُحبِط معها أية آمال بإعادة استثمار أشجاره وأرضه!
منافسة غير عادلة
في كل موسم يتم إغراق الأسواق بكميات كبيرة من الموز المستورد وبأسعار منخفضة مقارنة بأسعار الحمضيات، والغاية من استمرار استيراده بالتوازي مع موسم الحمضيات هو المضاربة، أي استغلال مزارعيه وليس مصلحة المستهلكين، حيث ينتفع بذلك مستوردو الموز ومسوّقوه والحلقات الوسيطة، من المورّدين إلى سوق الهال وتجار الجملة والبائعين ليضيف كل طرف ربحه، وهناك خاسر وحيد هو المزارع الذي باع محصوله بسعر بخس، بالإضافة إلى المستهلك المفقر الذي سيشتري بسعر مرتفع.
فقد راوح سعر كيلو البرتقال في الأسواق بين 8000 ووصولاً إلى 15000 ل.س، بينما الموز كان بسقف 11000 ل.س.
فلو كانت بالفعل الغاية هي مصلحة المستهلك أو الفلاح، لكان الأجدى إصدار قرار بوقف استيراد الموز في فترة جني وتسويق موسم الحمضيات، علماً أن استيراد الموز ساهم بالإضرار بمصلحة مزارعي الموز المحلي أيضاً.
لكن ما يجري عملياً هو العكس تماماً، فمصالح حيتان التجارة والمال والفساد والمستفيدين لها الأولوية (استيراداً وتصديراً وتهريباً وتحكماً بالسوق المحلية)، على حساب الإنتاج الزراعي المحلي، لتقويضه عملياً.
الدولة تتهرب من مسؤوليتها تاريخياً
موسم للحمضيات ليس سوى نموذجٍ لأزمة هيكلية تنهش بالقطاع الزراعي برمته منذ عقود، والمستمرة حتى تاريخه، بسبب غياب السياسات الزراعية المتكاملة التي تُعنى بمصلحة المزارعين والمستهلكين والاقتصاد الوطني.
فلا دعم حقيقي للقطاع الزراعي ولعملية الإنتاج ومستلزماتها، ولا أي جهد مبذول يُذكر لضبط الأسواق وتحديد هوامش ربح معقولة وعمولات منطقية، ولا حتى إنشاء منافذ تسويقية مباشرة للمحاصيل الاستهلاكية لتضييق الحلقات بين المزارع والسوق، ولتقليل العبء بالمحصلة على المستهلك.
والمطلوب إدارة حكومية تُترجم كل ما سبق بحزمة إجراءات جدية وعاجلة، لدعم الإنتاج المحلي وتنظيم الاستيراد لحماية بعض المحاصيل، مع رقابة صارمة للسوق وتسعيرة حكومية داعمة وعادلة للمحاصيل الاستراتيجية، بالإضافة إلى تشجيع تأسيس التعاونيات التسويقية والتصديرية.
غير ذلك سنستمر بخسارة محاصيلنا تباعاً، بما في ذلك الاستراتيجية منها، وسيستمر الفلاح باقتلاع أشجاره وهجرة أرضه التي تحولت إلى عبء، بينما الثراء الحقيقي سيذهب إلى جيوب القلة من حيتان الأرباح والناهبين، في مشهد يختصر توحش السياسات الضارة بمصلحة المنتج والمستهلك والاقتصاد الوطني!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258
رشا عيد