المواطن المفقر في معادلة صحية يبدو الجميع فيها رابحاً سواه!
الرعاية والعناية الصحية التي تقدمها الدولة لمواطنيها تعتبر من أهم معايير قياس تطورها، كتعبير وترجمة عملية عن احترامها لمواطنيها واهتمامها بسلامتهم وحقوقهم وكرامتهم، وهذا ما لا تجده بكل أسف في سورية، التي تعاني فيها الغالبية المفقرة من أوضاع اقتصادية ومعيشية خانقة مع تدني بمستوى الخدمات الصحية وارتفاع تكاليفها، بسبب فشل السياسات الاقتصادية في حماية معيشة المواطن واستمرار السعي الحكومي إلى سحب الدور الرعائي للدولة في المشافي والمستوصفات العامة والخدمات التي تقدمها، مما دفع المفقرين لاستشارة الصيدلاني عند المرض بدلاً من زيارة الطبيب، واللجوء إلى الإنترنت للتشخيص ومعرفة العلاج، أمام تكلفة «كشفية» طبية لا ترحم، وما يترتب بعدها من فواتير مكلفة!
المرض «كارثة»
المرض واقع أليم ورحلة العلاج باتت رحلة مريرة، فزيارة الطبيب أصبحت هماً كبيراً يضاف إلى قائمة الهموم المعيشية للمواطن، فأجور المعاينات الطبية تشهد ارتفاعاً مستمراً في ظل غياب الرقابة وزيادة معدلات الاستغلال من قبل بعض ضعاف النفوس من الأطباء الذين تناسوا جوهر مهنتهم الإنسانية.
فأجور المعاينة أو الكشفية متباينة وغير مسقوفة، وهي لم تعد ترتبط بشهرة الطبيب باختصاصه أو بسنوات خبرته، ولا بالمنطقة، فحتى الطبيب حديث التخصص والذي لا يزال في بداياته يتحكم بالتسعيرة كما يناسبه، وكلُّ حسب تقديره لتختلف الكشفية من طبيب إلى آخر، ومن مكان لآخر، ولتتحول مهنة الطب إلى تجارة يجب أن تكون مربحة، ليكسب التاجر «الطبيب» الصفقة «وحلال ع الشاطر»!
فالمعاينات لدى الأطباء الأخصائيين تبدأ من 75 ألف ليرة، وتتجاوز لدى البعض 250 ألف ليرة، وتصل إلى عتبة 500 ألف ليرة عند بعض الاختصاصات النادرة، دون الحديث عن فاتورة الوصفة الدوائية والتحاليل الطبية المطلوبة والصور الشعاعية اللازمة لتشخيص الحالة وتحديد العلاج، وما إلى ذلك من تكاليف مضافة «نار كاوية»، وهي بمجملها تكاليف يعجز الراتب المحدود لموظف حكومي عن تغطيتها، ليصبح مجرد التفكير بعلاج أي مرض مؤلم، والمواطن المفقر وحده يدفع ثمن هذه الفوضى!
الندرة، تزيد الطين بِلّة!
هجرة الأطباء والكفاءات والخبرات لم يكن موضوعاً نسبياً ومحدوداً خلال سنوات الحرب وإلى يومنا، فتفاقم هذه الظاهرة وتداعياتها يلمسها السوريون بصورة مأساوية.
فسورية لم تستطع الحفاظ على كوادرها المؤهلة خلال سنوات الحرب وبسبب السياسات «التطفيشية»، المستمرة حتى تاريخه، بالإضافة إلى هشاشة وتراجع القطاع الصحي، وهذا لا يعني خسارة المهارات والخبرات فقط، فالنتيجة هي ندرة الأطباء الأكفاء وخاصة في بعض الاختصاصات النوعية، وبالتالي من الطبيعي أن تكون تسعيرة المعاينة لدى هؤلاء بما يليق بالندرة، وما على المريض بهذه الحالة إلا أن يستغني عمّا في جيبه مضطراً، تاركاً ما تبقى من صحته، المتدهورة أساساً، عرضة للاستغلال!
الأزمة أعمق
ضيق الحال والفقر، ارتفاع الأسعار والجشع والاستغلال، وأسباب عديدة أخرى، وضعت الأسرة السورية أمام مفترق طرق أحلاها مُر، ليكابر الجميع على صحته!
هذا الواقع ليس سوى مؤشر لمنظومة صحية متهالكة من تراكم الأزمات وكثرة المشكلات المزمنة، وخاصة في القطاع الصحي العام، التي تخطت سوء الخدمة ونقص المستلزمات والمواد الأساسية، مروراً بنقص الكوادر الطبية كماً ونوعاً، وصولاً إلى سوء التشخيص مع كل مصائبه، مما جعل القطاع الصحي العام مجرد هياكل إسمنتية تفتقر إلى أدنى المقومات والخدمات الآمنة للمفقرين، الذين أصبحوا تحت رحمة واستغلال القطاع الخاص دون ضوابط.
والمطلوب بالحد الأدنى تحرك جديّ وعاجل من وزارة الصحة ونقابة الأطباء لوضع تسعيرة ملزمة وعادلة للمعاينة، والأهم توجه حكومي جاد للنهوض بالقطاع الصحي العام، واستعادة دور الدولة للقيام بمسؤولياتها تجاه حماية المواطن وصحته.
فالصحة ليست سلعة، والمريض ليس زبوناً.
فمتى تنتهي معاناة المواطن (الضحية) في معادلة يبدو أن الجميع فيها رابح سواه؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258
رهف ونوس