تعميم ضد الأم... وضد الطفل التعميم رقم /17/ لوزارة العدل ليس مجرد تعميم... بل قراراً بإقصاء الأم

تعميم ضد الأم... وضد الطفل التعميم رقم /17/ لوزارة العدل ليس مجرد تعميم... بل قراراً بإقصاء الأم

ما صدر عن وزارة العدل تحت مسمى التعميم رقم /17/ ليس إجراءً تنظيمياً عابراً، بل تدخّلاً إدارياً فظّاً في صميم العدالة الأسرية، ينتهي عملياً إلى تحييد الأم السورية وتجريدها من أي دور قانوني في حياة أبنائها القُصّر، رغم أنها في الواقع الحاضنة، والمربية، والضمانة اليومية الوحيدة لمصلحتهم.

هذا التعميم لا يسيء إلى المرأة فقط، بل يوجّه ضربة مباشرة لحقوق الطفل، ويُفرغ مبدأ «مصلحة القاصر» من محتواه، مستبدلاً إياه بمنطق ذكوري جامد يتجاهل الواقع والنص والالتزام الدولي.

القانون السوري لم يقل ما يقوله التعميم


يستند التعميم إلى بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، لكنه يقتطعها من سياقها ويصمت عن مواد أخرى حاسمة.
المادة 24 من قانون الأحوال الشخصية تنص صراحة: «القاضي ولي من لا ولي له».

هذه المادة وحدها كافية لإسقاط منطق التعميم؛ فهي تؤكد أن الولاية والوصاية وظيفة قانونية خاضعة للقضاء ومصلحة القاصر، لا امتيازاً عائلياً ذكورياً مطلقاً.
كما تنص المادة 175: «تعيّن المحكمة وصياً خاصاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة وليه».
وتنص المادة 179: «ينصب القاضي وصياً خاصاً مؤقتاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة الوصي».
هذه النصوص تمنح القاضي سلطة واضحة في تجاوز الولي التقليدي وتعيين الأصلح. والتعميم، حين يقيّد هذه السلطة أو يفرغها من 
مضمونها، يخالف القانون صراحةً.


الأم: حاضنة بلا سلطة... هذا عبث قانوني


يعترف القانون السوري بالأم كحاضنة في الغالب، لكنه- وفق تفسير التعميم- يحوّلها إلى مجرّد منفّذة بلا أي صلاحية:
تربي الطفل... ولا تقرر.
ترافقه يومياً... ولا توقّع.
تتحمل مسؤوليته... ولا تُستشار.
في المقابل، تُمنح الولاية لأقارب ذكور قد لا يعرفون الطفل ولا يعيشون معه، لمجرد صلة الدم.
أي منطق قانوني هذا؟ 
وأي مصلحة للطفل تتحقق بإقصاء من يرعاه فعلياً؟

اتفاقيات دولية تُنتهك بتعميم إداري


اتفاقية حقوق الطفل- (CRC).. .سورية دولة طرف فيها.
المادة 3 تنص: «يُراعى في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال مصلحة الطفل الفضلى».
والمادة 2 تنص: «تكفل الدول الأطراف حقوق الطفل دون أي تمييز».
والمادة 18 تنص: «يتحمل الوالدان معاً المسؤولية المشتركة عن تربية الطفل».
التعميم رقم /17/ يضرب هذه المواد في الصميم، لأنه يقوم على التمييز، ويتجاهل المسؤولية المشتركة، ويستبعد الأم بصفتها طرفاً أساسياً في حياة الطفل.
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)
بصفتها دولة موقّعة، تلتزم سورية بإزالة أي إجراء إداري يكرّس التمييز ضد المرأة. والتعميم- بآثاره العملية- تمييز مؤسسي صريح لا يمكن تبريره قانونياً.

التعميم ليس قانوناً... ولا يملك أن يكون


من البديهيات القانونية:
التعميم ليس مصدر تشريع.
لا يجوز له تقييد نص قانوني نافذ.
لا يملك أن يوجّه القاضي أو يصادر سلطته التقديرية.
وعندما يتحول التعميم إلى أداة إقصاء، يصبح عملاً إدارياً مشوباً بعدم المشروعية، قابلاً للنقد والطعن والمواجهة القانونية.

هذا التعميم ضد العدالة


التعميم رقم /17/ لا يحمي القُصّر، بل يعرّضهم للضرر. لا ينظّم الولاية، بل يجمّدها في قالب ذكوري أعمى. لا يحترم الأم، ولا يراعي الطفل، ولا ينسجم مع القانون السوري ولا مع التزامات سورية الدولية.
إن الدفاع عن حق الأم في الوصاية أو الولاية عند الاقتضاء ليس ترفاً حقوقياً، بل ضرورة قانونية وأخلاقية. ومصلحة الطفل لا تُصان بإقصاء من يرعاه، بل بتمكين القضاء من اختيار الأصلح، بلا أوامر إدارية فوقية.
هذا التعميم يجب أن يُلغى. ليس لأنه سيئ الصياغة، بل لأنه خاطئ في جوهره.
فحين تُقصى الأم... يُظلم الطفل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1257