الحق في تغيير الطبيب أصبح بيروقراطياً ... نقابة أطباء الأسنان أنموذجاً
أصدرت نقابة أطباء الأسنان في 3 كانون الأول، تعميماً، أقل ما يقال عنه: إنه غريب، يطلب من أطباء الأسنان الامتناع عن علاج المريض إلا بموافقة خطية من الطبيب الذي بدأ العلاج، أو بموافقة فرع النقابة.
يهدف التعميم، ظاهرياً، إلى تنظيم العلاقة بين الأطباء وحماية حقوقهم المهنية، إلا أنه، وفي صورته الحالية، يهدف حقيقة إلى تقييد حصول المريض على الرعاية الصحية المناسبة، وهو المحروم منها في أغلب الأحيان.
ويثير هذا التعميم عدداً من الإشكاليات، فهو أولاً: يمثل انتهاكاً لحق المريض الأساسي في حرية اختيار الطبيب الذي يثق به ويشعر بالراحة في التعامل معه؛ فتقييد هذا الحق بشكل تعسفي يفرض على المريض قيوداً غير مبررة في اتخاذ قراراته الصحية.
يتجاهل التعميم أيضاً اضطرار المريض لتغيير الطبيب لأسباب متعددة، منها عدم الرضا، أو فقدان الثقة، أو عدم القدرة على تحمل التكاليف، وحتى الانتقال من منطقة جغرافية إلى أخرى. إذ إن التعميم يضع عقبات إضافية أمام المريض، فإلزامه بالحصول على موافقة خطية من الطبيب الأول، يفتح الباب أمام ممارسات تضر بالمريض وبأخلاق المهنة؛ حيث يُمنَح الطبيب سلطة قد تُستخدم لعرقلة انتقال المريض إلى طبيب آخر، ما يؤدي إلى تأخر في العلاج، وحتى تدهور الحالة الصحية للمريض في حال رفض الطبيب الأول الموافقة!
فيما تكمن الإشكالية الأخطر في شرعنة الاحتكار والاستغلال. فبموجب هذا التعميم تحول المريض إلى ما يشبه «الملكية الخاصة» للطبيب الذي بدأ العلاج، يبقيه أو ينقله بحسب رغبته. بل قد يجد بعض الأطباء– من ضعاف النفوس– أنفسهم في موقع يسمح لهم بفرض أسعار مرتفعة، مستغلين تقيّد المريض، إما بالاستمرار معه، أو مواجهة إجراءات معقدة. كما أن هذا القيد يؤدي إلى الإهمال أو عدم الجدية في العلاج من قبل البعض، لعلمهم بأن المريض لا يمكنه الانتقال بسهولة من طبيب إلى آخر.
يتعارض التعميم كذلك مع جوهر المهنة الطبية التي ترتكز على مبدأ «المريض أولاً». فالمريض هو محور العملية العلاجية، ويجب أن تكون مصلحته وصحته فوق أي اعتبار. بينما يضع هذا التعميم الطبيب في المقام الأول، ويجعل من استمرارية العلاج رهينة بتوقيعه، أو بتدخل نقابي قد يستغرق وقتاً وجهداً يدفع ثمنه المريض.
بالإضافة إلى النتائج العكسية التي قد يفضي إليها هذا القرار، حيث سيدفع بالمرضى إلى البحث عن حلول بديلة خارج الإطار الرسمي، ما سيعرضهم لمخاطر صحية أكبر.
إن مرور هذا القرار بدون مراجعة، من شأنه أن يمهد الطريق لتعميمات مشابهة على مهن طبية وصحية أخرى، مما يجعل الخدمات الأساسية حكراً على مقدم الخدمة الأول؛ أي إن المريض سيصبح «سجيناً» لطبيب معين، حتى لو لم يكن راضياً، أو في حال رغب في الحصول على رأيٍ ثانٍ، ما يقوض أخلاقيات المهنة وكرامة المريض.
كما يمثل هذا التعميم نموذجاً للقرارات التي تضع مصلحة فئة معينة فوق المصلحة العامة والمبادئ الأخلاقية، وهو قرار خطير يفقد المهنة مصداقيتها الاجتماعية، ويُظهرها كمحتكرة لواحدة من أهم الخدمات، بدلاً من مقدمة لها. والأجدى هو التركيز على تنظيم المهنة، ووضع أطر تنظيمية ورقابية تضمن جودة الرعاية الصحية، وتحمي المريض من الاستغلال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1257
سلمى صلاح