طلاب الدراسات العليا أمام جملة من التحديات التي تعرقل رحلتهم الأكاديمية!
رهف ونوس رهف ونوس

طلاب الدراسات العليا أمام جملة من التحديات التي تعرقل رحلتهم الأكاديمية!

كثيرة هي الصعوبات والضغوطات التي تواجه طلاب الدراسات العليا «ماجستير ودكتوراة» في الجامعات الحكومية السورية، حيث تشكل إعاقة حقيقية على مستوى استكمال الدراسة والتحصيل العلمي بالنسبة للكثيرين منهم.

لتتحول هذه الرحلة الأكاديمية إلى حلبة مصارعة يسقط فيها الباحثون تحت وطأة عراقيل لا تنتهي، بدءاً من اختبار اللغة الأجنبية وأسئلته التعجيزية كشرط للتسجيل، إلى إجراءات التسجيل التي تستغرق وقتاً طويلاً من الروتين الذي له أول وليس له آخر، وصولاً إلى ندرة المراجع ونقص الكادر المشرف، بالإضافة إلى ضعف التمويل وتكاليف النشر المرتفعة، لتتراكم الأعباء ويجد الباحث نفسه في صحراء بلا ماء يلهث وراء المعرفة خلف أبواب مغلقة!


ندرة المراجع


إذا لم نقل انعدامها، رغم أنها من البديهيات لأي بحث علمي ويُفترض توفرها ولكن على ما يبدو أن الباحث يخوض معركته متسلحاً بالأمل فقط!
فالحكاية تبدأ من تقديم مقترح البحث والذي يرُفض أكثر من مرة لافتقاده المراجع، وكأن الطالب هو الذي لا يريد الحصول عليها ويقع اللوم عليه أمام عدم اشتراك الجامعات بقواعد بيانات بحثية عالمية لتوفير المعلومات والأبحاث الداعمة والدراسات السابقة، وبالتالي صعوبة الوصول إلى المراجع العلمية عبر الإنترنت لكونها متاحة عبر اشتراكات مدفوعة أي تحميل الطلاب أعباء مالية كبيرة، كما أن الكتب المتوفرة في المكتبة الوطنية أصبحت قديمة ولا تواكب التطور.
مما يدفع الطلاب للاعتماد على مصادر متوفرة مجاناً لكن تفتقر إلى القيمة العلمية اللازمة مما يضعف جودة البحث، كذلك شح الأرقام والبيانات الرسمية والإحصاءات التي يمكن للبحث اعتمادها، فيقع الطلاب في فخ التشابه في النتائج المستخلصة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو أن رئاسة الجامعة بالتأكيد تعلم بذلك العجز الذي يواجه الطلاب، فلماذا يستمر القبول والمشكلة لم تُحل حتى اليوم؟!


ضعف التمويل


حال طالب الدراسات العليا سيء جداً، والمشكلة لا تقتصر على الأوضاع المعيشية فحسب، فهناك ضغوطات لا تحصى تواجه الطالب، بدءاً من النفقات المادية على البحث المطالب بإعداده، والجامعة معفاة كلياً من المشاركة بتمويله، وأي استمارة تسجيل تحمل مبلغاً مادياً تعني أن البحث مرفوض، باستثناء بعض الكليات العلمية، وبتمويل مسقوف وزهيد جداً (من الجمل أذنه)!
كذلك تحمل عبء النشر في المجلات المحكمة، فمعظم الأبحاث تبقى غير منشورة على أهميتها بسبب الرسوم المرتفعة، فلا صناديق دعم ولا منح بحثية ولا حتى اعتراف بجهد الباحث، ما يجعل البحث العلمي مغامرة محفوفة بالخسارة!


ماذا عن الإشراف؟!


ناهيك عن نقص الكوادر الأكاديمية المُشرِفة، حيث يشرف الأستاذ الواحد على عدد كبير من الطلاب مما لا يتيح له الوقت الكافي لمتابعة كل طالب بشكل فعال، خاصة في مرحلة الدكتوراة التي يشترط فيها إشراف «أستاذ دكتور» وهم قِلة، فهناك ظاهرة معقدة في الجامعات يعنونها الطلاب «بعداء تاريخي غير معلن» مع الأستاذ المشرف أو لجنة التحكيم لاحقاً، فهي ذات جذور إدارية وثقافية، وحتى شخصية.
فتبدأ أسبابها من معاملة الطلاب على أنهم تابعين لا شركاء في البحث العلمي إلى مزاجية المشرف وعدم وجود آلية واضحة للمحاسبة في حال التعسف أو التأخير بالتقييم والمتابعة، كذلك خوف المشرف من المنافسة الأكاديمية وغياب ثقافة البحث الجماعي الذي يعتمد على روح الفريق بينهما بل مجرد جهد فردي، مع البيروقراطية الخانقة التي تجعل كل خطوة في مسار الطالب خاضعة للتواقيع والموافقات مما يجعلها فرصة للبعض لاستغلال السلطة، وعليه توتر العلاقة بين المشرف والطالب، والأثر النفسي مع كل هذا الضغط الذي يؤدي إلى تسرب الكفاءات وهجرة العقول إلى بيئة علمية أكثر احتراماً ودعماً.

للتعجيز لا للتقييم


«كأن العلم في سورية يحتاج لتصريح عبور لا لشغف الباحث»، بهذه العبارة اختصرت إحدى المتقدمات لامتحان اللغة الأجنبية للقيد في درجة الدكتوراة الذي يجري في معهد اللغات في المحافظات، فهناك إجماع على صعوبة مستوى الأسئلة واستخدام مفردات تخصصية ونصوص طويلة أمام وقت غير كافٍ، علماً أن درجة الصعوبة تختلف بين الجامعات لتكون أعلاها في جامعة دمشق، وعليه نسبة رسوب مرتفعة وإقصاء أكبر عدد ممكن لتحصيل رسوم جديدة من جيوب المفقرين واستغلال حاجتهم، كأن الدولة حلفت «يميناً» على إظهار كل المعيقات التي تنهك عاتق الطالب ودفعها في طريقه دون رحمة أو شفقة.


واقع يتطلب إصلاحاً جذرياً


في دراسة أجرتها جامعة دمشق في كلية التربية عام 2003 من إعداد طالبة الدكتوراة «جهينا طراف» بعنوان «مشكلات الدراسات العليا في الجامعات السورية من وجهة نظر طلاب الماجستير والدكتوراة» خرجت بالنتائج التي تتحدث عن جملة المشكلات المذكورة آنفاً، أي بعد ما يقارب 23 عاماً والأسباب ذاتها كانت وما زالت تواجه الطلاب رغم التطور الحاصل، وعليه فالسبب لا يعود إلى ضعف الطالب وظروفه بل لإدارة الجامعات والمنهجية التعليمية في سورية ككل.
فالمطلوب، إتاحة البدائل بتوفير المراجع باتفاقيات تعاون وتبادل أكاديمي مع مؤسسات علمية، مع إعادة النظر برسوم النشر أو توفير صندوق دعم بحثي، كذلك إقامة ورش تدريبية مجانية حول مهارات البحث العلمي والنشر الدولي، فالإصلاح هنا ضرورة لإنقاذ البحث العلمي وإعادة الاعتبار له ولباحثيه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1255