انتشار البطالة في صفوف المزارعين... بين الجفاف والإهمال الحكومي
فرح شرف فرح شرف

انتشار البطالة في صفوف المزارعين... بين الجفاف والإهمال الحكومي

تبدو الأزمة الزراعية في سورية نموذجاً متكاملاً لأزمة بيئية واقتصادية-اجتماعية وسياسية متشابكة، حيث لا يقتصر التأثير التصاعدي للجفاف على انهيار الإنتاج الزراعي (بنسبة 50% للمحاصيل الأساسية)، بل يشمل تفكك البنية الاقتصادية والاجتماعية في الريف، ما يعكس حالة طوارئ متعددة الأبعاد.

بين الجفاف والانهيار الاقتصادي


يشكل الجفاف عاملاً رئيسياً يدفع بالقطاع الزراعي نحو الهاوية. فلم يعد الأمر مقتصراً على شح الأمطار، والتي انخفضت بنسبة 30%، بل تعداه إلى تغيرات مناخية طويلة الأمد أدت إلى تراجع حاد في الموارد المائية، يرافقه غياب شبه تام للدولة وإهمال ممنهج دام على مدار عقود.
فقد فقدت سورية بسبب الحرب والجفاف 30% من أراضيها المروية (1,4 مليون هكتار)، وفق تصريح للدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، لجريدة «الوطن». ما ترتب عليه خسائر فادحة في آلاف الهكتارات من الزراعة الصيفية التي تعتمد بشكل كبير على الريّ.
وامتدّ هذا التأثير ليشمل
الثروة الحيوانية، التي شهدت تراجعاً كارثياً في الشمال الشرقي بنسبة 85%، وهي نسبة صادمة تعكس حجم الأزمة. وتفاقَم هذا الوضع مع الارتفاع الجنوني في أسعار الأعلاف (ما بين 100-300%)، ما أدى إلى إفقار مربّي المواشي وانهيار قدرتهم على الاستمرار. وهو ما انعكس سلباً على السكان وقدرتهم على تأمين مصادر الغذاء.


دور الدولة المُغيّب


منذ سنوات والمزارع السوري يجد نفسه وحيداً في مواجهة صعاب لا تُحصى، في ظل غياب وتغييب لأي دعم هيكلي للمزارعين. حيث تتصدر أزمة الريّ قائمة التحديات؛ فالبلاد تعاني من استنزاف متسارع للمياه الجوفية، وتراجع كبير في تدفق نهريّ دجلة والفرات. فيما المزارع يقف عاجزاً عن تحمل نفقات السقاية الباهظة.
كما أن مخزون السدود انخفض بنسبة 70%، ما يشير إلى غياب أي خطط لإعادة التأهيل والصيانة، ويُعيق أي جهود لتوفير المياه للزراعة، ويساهم في تفاقم أزمة الريّ، ويُدخل القطاع في دوامة من الانهيار لا نهاية لها.
بالإضافة إلى تأثر الصناعات المرتبطة بالقطاع الزراعي، وتوقف عجلة الإنتاج، مثل تصنيع الأغذية وتجارة المحاصيل، والذي تسبب في شلل القطاعات الاقتصادية المساندة؛ فتحولت الزراعة من ركيزة للاقتصاد إلى مصدر للأزمات بدلاً من كونها محركاً للنمو والازدهار.
تؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى تداعيات خطِرة على الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي. فمع تراجع الإنتاج، وغياب أي خطط حكومية جادة للنهوض بالقطاع بشقيه النباتي والحيواني، بعيداً عن انتظار المساعدات ومشاريع القطاع الخاص، الذي لا يُلقي بالاً للتنمية الزراعية، يعني أن سورية ستصبح أكثر اعتماداً على الواردات الغذائية، ما يضع ضغوطاً إضافية على اقتصاد متدهور.


مزيدٌ من النزوح والبطالة


إحدى التداعيات المباشرة لأزمة القطاع الزراعي، هو فقدان آلاف المزارعين لمصادر رزقهم من جرّاء الحرب والجفاف والإهمال، ما حولهم إلى فئة عاطلة عن العمل، ودفع بهم وبأسرهم إلى ما دون خط الفقر. ورافق هذا الانهيار هجرة واسعة من الريف بحثاً عن فرص عمل مفقودة.
ووجد المزارعون أنفسهم في مدنٍ تعاني أصلاً من ضعف وانهيار في البنى التحتية والخدمات، يواجهون فيها تحديات جديدة تتمثل في شحّ المساكن، وارتفاع مهول في تكاليف المعيشة.


غياب السوق الموّحدة


تُعد أزمة الذرة في الرقة في الآونة الأخيرة من أبرز مظاهر غياب السوق الموحدة وانعدام الاستقرار السياسي. فقد تسبب إغلاق المعابر الشهر الماضي، بين مناطق قسد والحكومة السورية، إلى احتكار التجارة، حيث انخفض سعر الذرة بشكل حاد من 350 دولاراً إلى 240 دولاراً للطن الواحد، حسب ما صرّح به عدد من المزارعين لـ «سورية 24».
وقد اضطر هذا الانخفاض الكارثي المزارعين إلى بيع محصولهم بسعر أقل من تكلفة الإنتاج، وبدلاً من أن تكون الزراعة مصدراً للدخل، أصبحت سبباً مباشراً للإفقار وتراكم الديون.
يعكس هذا الأمر تحول السوق الوطنية إلى مجموعة من الأسواق المتنافسة والمغلقة؛ يخضع كل منها لقوانين وقواعد الجهة المسيطرة. فيما يدفع المزارعون والمستهلكون على حدٍّ سواء ثمن هذه التجزئة التي تشجع الاحتكار، وتُتيح لفئة قليلة من المتنفذين الاستفادة من الوضع الراهن والسيطرة على سلاسل الإمداد وتحديد الأسعار.


سياسات فعالة وعاجلة


يحتاج المزارعون اليوم إلى اعتماد الدولة خططاً استراتيجية تعيد تأهيل الأراضي، وتوفر دعماً مالياً مباشراً لهم، وتسهيلات لتمويل مستلزمات الإنتاج، وتوفير بذور مقاومة للجفاف، والاستثمار في تقنيات حديثة لإدارة المياه، بالإضافة إلى إنشاء صندوق طوارئ لتعويض المزارعين المتأثرين بالكوارث الطبيعية كالحرائق وغيرها، ومكافحة الاحتكار بإنشاء هيئات لتسعير المنتجات بشكل عادل.
كما لا يمكن فصل حل الأزمة الزراعية عن تحقيق الاستقرار السياسي، والعمل على توحيد السوق الوطنية، عبر إعادة فتح المعابر المغلقة وربط المناطق المنتجة بمراكز الاستهلاك، وصولاً إلى السيادة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة بوصفها مظلة لحماية الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1252
آخر تعديل على الأحد, 16 تشرين2/نوفمبر 2025 18:38