التعليم رهنٌ للميزانية... ارتفاع صارخ في أسعار الكتب المدرسية
فرح شرف فرح شرف

التعليم رهنٌ للميزانية... ارتفاع صارخ في أسعار الكتب المدرسية

مع كل عام دراسي جديد، تعيش العائلات معاناة في سبيل تدبير احتياجات أبنائها؛ فقد ارتفع ثمن كل شيء؛ البدلات المدرسية، والحقائب، والدفاتر والقرطاسية، والمواصلات، وأصبحت الدراسة «المجانية» عبئاً ثقيلاً جداً؛ تزيد من المعاناة اليومية، وتدهور المعيشة. وقد توسعت عبثية الأسعار هذا العام لتشمل الكتب المدرسية.

فقد سجلت أسعار الكتب المدرسية ارتفاعاً مهولاً، ما جعل الأهالي في حيرة وقلق، أمام خيارات قليلة، فإما دفع مبالغ كبيرة لتأمين الكتب، أو الاكتفاء بالحد الأدنى منها، أو البحث المرير عن كتب مستعملة في حالة معقولة.
وما يثير العجب أن الأسعار ومع ارتفاعها، إلا أنها ليست موحدة في المستودعات التابعة لوزارة التربية؛ فعلى سبيل المثال، سجل كتاب البكالوريا العلمي في أحد مستودعات دمشق سعر 185,000 ألف ليرة، أما في اللاذقية تُباع النسخة بسعر 174,000 ألف ليرة، بينما وصل سعر النسخة في أحد مستودعات ريف دمشق إلى 208,000 ألف ليرة!
ووسطياً ارتفع سعر مجموعة كتب الصف الأول الابتدائي من 93,300 ليرة إلى 201,800 وفي مستودعات أخرى 210,000؛ أي بنسبة زيادة بين 116% و125% عن العام الماضي، والصف الثالث الابتدائي من 122,900 إلى 220,800 ليرة؛ بزيادة 80%.
فيما سجلت أسعار كتب المرحلتين الإعدادية والثانوية ارتفاعاً مشابهاً؛ حيث يتراوح سعر مجموعة كتب الصف السابع ما بين 292,600 ليرة و296,000، بزيادة تفوق 55% عن العام الماضي (188,700). أما نسخة الصف الثامن ارتفعت من 195,000 إلى 231,000 ليرة، بينما تُباع في مستودعات أخرى بفارق كبير يصل إلى 321,000، أي بنسبة زيادة تتجاوز 64%! أما كتب الحادي عشر العلمي يتراوح سعرها ما بين 176,000 ليرة و193,000، والأدبي ما بين 137,400 و157,000 ليرة.


المكتبات ليست خياراً


لا تُباع الكتب لعام 2025-2026 في المكتبات بسعر المستودعات نفسه، بل وفي بعضها تُباع النسخة بسعرٍ أغلى بكثير؛ في استغلال لغياب الرقابة، حيث يُمنع بيع الكتب المدرسية الجديدة.
فالأسعار تفوق قدرة الغالبية الساحقة من الأهالي؛ فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر كتاب اللغة العربية للصف الأول الابتدائي 29,000 ألف ليرة، وكتاب التاريخ للصف التاسع الإعدادي 30,000 ألف ليرة. بينما ترتفع أسعار الكتب العلمية، مثل الفيزياء والرياضيات، ليبلغ بعضها 50,000 ألف ليرة!


شحٌّ في التوزيع


لم يكن التوزيع هذا العام كافياً أو عادلاً، بل إن أغلب الكتب الموزعة قديمة ومهترئة، ولم يبدّل منها سوى النزر اليسير، ما اضطر الأهالي إلى شراء التالف أو المفقود منها. خاصة وأن الكتب المستعملة لا تتناسب مع حاجة الطلاب لحل التمارين، لما تحتويه من إجابات وملاحظات سابقة، ما يُشعر الطالب بالإحباط ويحدّ من قدرته على المشاركة الفاعلة.
وفي ظاهرة غريبة، وزّعت المناهج الجديدة، والتي لم تُطبع بعد أو توزع ورقيّاً، على شكل ملفات إلكترونية، وتم تحميل أولياء الأمور والطلاب تكاليف طباعتها، مما ألغى الهدف الأساسي من توفير الكتب المجانية، وزاد من الأعباء المالية واللوجستية؛ فمثلاً، وصلت تكلفة طباعة كتاب الجغرافيا الجديد، للصف التاسع الإعدادي، إلى عتبة 65,000 ليرة في بعض المكتبات!


جودة التعليم


لا يقتصر هذا الارتفاع على الجانب المادي فحسب؛ فالكتاب المدرسي يعد أساسياً في العملية التعليمية، وعندما يصبح الحصول عليه صعباً أو مستحيلاً لبعض الأسر، فإن ذلك يؤدي إلى حرمان الطلاب من حقهم في الوصول إلى المعلومات، ما يعيق من تقدمهم العلمي. ويدفع بالبعض إلى اللجوء إلى بدائل أقل جودة، أو الاعتماد على مواد تعليمية غير كافية.
يساهم غلاء الكتب أيضاً في تقويض مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، ويصبح الحصول على الكتب المدرسية امتيازاً للأسر القادرة مالياً. ما يؤدي إلى خلق بيئة تعليمية غير متساوية، حيث يبدأ الطلاب من نقاط انطلاق مختلفة، مما يعزز الفروقات في التحصيل الدراسي، ويزيد من احتمالية التسرب المدرسي بين الفئات الأكثر فقراً.


ضمان حق التعليم


ليست أسعار الكتب المدرسية هذا العام مجرد أرقام في قائمة المشتريات، بل هي عبء مالي حقيقي، يؤثر على استقرار الأسرة؛ ففي ظل وضع معيشي صعب، وأجور بالكاد تقارب المليون ليرة، تصبح كل ليرة ذات قيمة، ويشكل أي ارتفاع جديد ضغطاً إضافياً على ميزانية الأسر، التي تجد نفسها عالقة في دائرة الفقر بسبب عدم قدرتها على توفير التعليم المناسب لأبنائها.
الحل يكمن في إيجاد آلية تضمن وصول جميع الطلاب إلى الكتب المدرسية بشكل مجاني، أو على الأقل بأسعار رمزية، عبر دعم طباعة الكتب الجديدة، وتوفير الموارد اللازمة للمدارس والمدرسين لتغطية النقص؛ فما يعانيه الطلاب وأهاليهم يستدعي تدخلاً جاداً وحقيقياً من قبل الجهات المعنية للحفاظ على حق الأطفال في التعليم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1250