الرسوم الجامعية الجديدة... بين التخفيض والواقع
أصدر مجلس التعليم العالي في الخامس من تشرين الأول، قراراً بتحديد الحد الأعلى لرسم الساعة المعتمدة في الجامعات الخاصة بدءاً من العام الدراسي 2025-2026، بالإضافة إلى تحديد رسوم التعليم الموازي.
وقد سبق الإعلان عن قيمة الرسوم الجديدة، تأكيدٌ على أن الرسوم ستراعي الوضع الاقتصادي والمعيشي للطلاب، وبالفعل صرح عدد من رؤساء الجامعات الخاصة بأن الرسوم انخفضت 30%، علماً أن الدفع إما بالدولار أو ما يعادله بالليرة السورية، بحسب نشرة أسعار المصرف المركزي.
لكن يكمن جوهر المشكلة في ربط الرسوم بعملة صعبة مستقرة، مع إمكانية الدفع بالليرة السورية التي لم تشهد استقراراً حتى الآن. في خطوة لا تراعي حقيقة التفاوت في قدرات الطلاب، وتجعل من تكلفة التعليم أعلى للطلاب الذين يعتمدون على دخلٍ بالليرة، كما تضمن للجامعات الخاصة الحفاظ على إيراداتها في مواجهة التضخم وانهيار العملة المحلية.
التعليم الخاص بالدولار
بينما يبدو الإعلان عن التخفيض صحيحاً للوهلة الأولى، إلا أنه يتجاهل التدهور المستمر في القدرة الشرائية؛ ويسلط الضوء على الانخفاض الرقمي في الليرة، ويهمل الزيادة في القيمة الحقيقية بالمقابل الدولاري، ولا يصبح الحديث عن «التخفيض» عادلاً إلا إذا قورنت الرسوم بالعملة المستقرة نفسها ما قبل وبعد القرار الوزاري.
فعندما كان سعر صرف الدولار 15,000 ليرة، كانت الساعة الدراسية في كليات الطب البشري على سبيل المثال، تبلغ 700,000 ليرة، أي ما يعادل 47 دولاراً. أما اليوم وسعر الصرف الرسمي هو 11,000 ليرة، حددت الوزارة الساعة الدراسية بـ 50 دولاراً (550,000 ليرة).
وفي حين يُعلَن عن التخفيض باعتماد الليرة كمعيار، إلا أن هذا الإعلان لا يخلو من تضليلٍ لا يعكس الواقع. فالمقارنة الحقيقية يجب أن تُجرى بالعملة الصعبة التي حددتها الوزارة، والتي تكشف عن زيادة فعلية بنسبة 6,4% في تكلفة الساعة الدراسية (من 47 إلى 50 دولاراً).
وبما أن الطالب يحتاج بالحد الأعلى إلى 25 ساعة فصلية، فإن التكلفة الحالية باتت 1,250 دولار، بينما كانت في السابق 1,167 دولار، أي بزيادة فعلية 83 دولاراً للفصل الواحد، بنسبة زيادة (7,1%)، رغم انخفاض القيمة بالليرة.
الموازي ليس بحالٍ أفضل
لا يختلف الأمر كثيراً في التعليم الموازي، فقد كانت الرسوم السنوية للكليات الطبية مثلاً 3,5 ملايين ليرة عندما كان سعر الصرف 15,000، أي ما يعادل 233 دولاراً، واليوم انخفضت القيمة بالليرة إلى 3 ملايين ليرة، ولكن بمقابل 272 دولاراً، أي بزيادة فعلية 39 دولاراً وبنسبة زيادة (16,7%).
وفي حين يتم التركيز إعلامياً على انخفاض الرقم بالليرة (نحو 14%)، يتم إغفال حقيقة ارتفاع قيمة الرسوم بالمقابل الدولاري، وتحميل الطالب عبء الأزمة الاقتصادية تحت شعار «التخفيض».
وبالتالي، تتناقض الرسوم الجديدة مع الحديث عن دعم القطاع التعليمي، ومراعاة الوضع الاقتصادي والمعيشي للطلاب وأسرهم، ويكرس اللا مساواة في التعليم، خاصة في النظام الموازي الذي من المفترض أن يكون امتداداً للتعليم الحكومي.
إصلاح السياسات
إن دعم الطلاب والقطاع التعليمي يفرض وضع رسوم تراعي الحد الأدنى للأجور، وتحقق توازناً بين استقرار المؤسسات التعليمية وحماية حق الطلاب في التعليم، بعيداً عن تحميلهم أعباء أزمة اقتصادية لم يكونوا سبباً فيها.
فربط التعليم بالدولار، الذي يخدم مصالح المؤسسات التعليمية في حماية إيراداتها وتحسين صورتها إعلامياً، ينطوي على مخاطر جمّة تهدد العدالة الاجتماعية والمساواة في فرص التعليم، ويجعل التعليم رهناً بالقدرة المالية، ما يناقض جوهر العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص التي تزعم الوزارة السعي إلى تحقيقه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247