زيادة مرتقبة على تعرفة المواصلات من جيب المواطن ومزيد من الإجحاف بحقه!
رهف ونوس رهف ونوس

زيادة مرتقبة على تعرفة المواصلات من جيب المواطن ومزيد من الإجحاف بحقه!

يجري الحديث عن نية رسمية لرفع تعرفة المواصلات في باصات النقل الداخلي (العام والخاص) والميكروباصات «السرافيس» في دمشق، بذريعة تحرير أسعار المحروقات وارتفاع تكاليفها، حتى المؤسسة العامة لنقل الركاب في دمشق وريفها تشتريها بأسعار السوق، من دون أي دعم حكومي!

وما دامت النية الرسمية قائمة وتدعم مصالح البعض على حساب المواطنين، فلا شك أن صدور القرار بات قريباً. فجيب المواطن هو الكفيل الدائم لحل أية معضلة تواجه الجهات الرسمية عند الحديث عن التكاليف وارتفاع الأسعار.

النتيجة: عبء مالي إضافي على المواطن في مدينة تختنق بأزماتها يوماً بعد يوم.

تتضاعف الأعباء

صرّح مدير فرع المؤسسة العامة لنقل الركاب في دمشق وريفها «فارس محمد» بتاريخ 22 أيلول لإحدى وسائل الإعلام، بأن المؤسسة سترفع تعرفة الركوب في باصات النقل الداخلي العام من 2000 إلى 2500 أو 3000 ليرة، متوقعاً صدور القرار قريباً، وعزا ذلك إلى ارتفاع أسعار المحروقات. وأضاف أن تعرفة ركوب «السرافيس» ستزيد بنسبة 10% على جميع الخطوط الطويلة في ريف دمشق.

عادةً ما يُعتمد في رفع التعرفة على ارتفاع سعر المحروقات في ظل ثبات نسبي لأسعار قطع الغيار. لكن في الواقع، لم يرتفع سعر المازوت بهذه النسبة منذ تحديد التعرفة السابقة في شهر شباط، إذ إن السعر محدد بالدولار ويتذبذب صعوداً وهبوطاً بشكل طفيف، ويبدو مستقراً حالياً. كذلك أسعار قطع الغيار مستقرة نسبياً، بل وشهدت انخفاضاً بنسبة تقارب 40% خلال شهر نيسان، وفقاً لأصحاب المهنة. فمثلاً، سعر ليتر زيت المحرك وسطياً 55 ألف ل.س بحسب النوعية، أما طقم العجلات فيتراوح بين 2–3 ملايين ل.س حسب الحجم والنوع، والفروقات بسيطة، بحسب أحد أصحاب المحال.

مضمون التصريح أعلاه يوضح أن القرار قيد الصدور، وأن صيغة التعاطف مع معاناة السائقين واضحة. لكن، ماذا عن المواطن؟ ألا يستحق تعاطفاً رسمياً مماثلاً، بدلاً من هذا الميزان المنفصل عن الواقع المعاش؟!

جيب مُستنزَف

الزيادة المقترحة للنقل الداخلي لن تقل عن 500–1000 ل.س (أي بنسبة 10–25%)، وكذلك «السرافيس» ستزيد بين 300–500 ل.س حسب الخط، وطبعاً لا يوجد مئات بالتداول وبالتالي سيتم ابتلاع فروقاتها على حساب المواطن، وحتى إن التزم السائقون بالتسعيرة الرسمية، فإن معاناة المواطن مستمرة، فماذا لو لم يلتزموا؟

يكفي أن نأخذ مثالاً بسيطاً: موظف أو طالب يحتاج إلى حافلتين ذهاباً ومثلهما إياباً. أي تكلفة إضافية لا تقل عن 2000 ل.س يومياً، أي ما يقارب 300 ألف ل.س كإجمالي شهرياً، وهو ما يعادل نصف راتب تقريباً بالحد الأدنى! فكيف سيواجه بقية متطلبات الحياة؟

والأسوأ أن المواطن دفع هذه الزيادة مسبقاً مع فوضى التسعيرة الأخيرة، وطمع بعض السائقين بلا رقيب أو حسيب، ناهيك عن باصات النقل الداخلي الخاصة التي تتقاضى أساساً 3000–3500 ل.س! والنتيجة: لا إنصاف، بل مزيد من الإجحاف بحق المواطن، ثم تحميله مسؤولية «لأنه لم يشتكِ»!

«مثلنا مثلكم»

«نحن كمان دراويش وعنا عائلات لنعيلها...» بهذه العبارة لخص أحد السائقين معاناته. وبعيداً عن صيغة التعاطف الرسمية، يبقى الحال واحداً، مواطن وسائق يواجهان واقعاً معيشياً متردياً.

لكن لا يخلو الأمر من استغلال وجشع دائم، يشارك أصحابه في مسلسل النهب الذي لا ينتهي. هذا عدا عن حيتان المحروقات التي لا تشبع، وتتحكم بسعر المازوت المباع للسائقين في السوق الحر، وداخل محطات الوقود.

فائض هنا ونقص هناك... تبديل المواقف أربك الجميع!

تشهد بعض الخطوط في دمشق اليوم تكدساً غير مسبوق للسرافيس، مشهداً لم يكن مألوفاً سابقاً. فبعد أن تسرب بعض السائقين للتعاقد مع المدارس أو لبيع مخصصاتهم القليلة من المحروقات بدلاً من العمل خلال السنوات السابقة، انقلبت المعادلة فجأة في الآونة الأخيرة، السائق ينتظر المواطن ليصعد، بعد سنوات طويلة من عكس الصورة!

في المقابل، هناك نقص حاد في خطوط أخرى، ما يضاعف معاناة المواطنين ويزيد وقت الانتظار والتدافع. وهذا يفضح غياب معيار واضح في منح التراخيص على خطوط المواصلات وسوء التوزيع الذي لا يراعي الكثافة السكانية ولا حجم الطلب.

ومما زاد الطين بلة، قرار نقل بعض الخطوط من «جسر الحرية» (كمركز انطلاق حيوي لقربه من الجامعات والدوائر الحكومية والأسواق) إلى «كراج جسر الوزان» في الأطراف. هذا القرار أثقل كاهل المواطن بتكاليف إضافية للوصول إلى الموقف الجديد، كما أضرّ بالسائقين بانخفاض عدد الركاب. والنتيجة أزمة جديدة، كتزاحم الركاب على سرافيس «مشروع دمر» مثلاً، وقلة العدد على خطوط أخرى، ما يعني المزيد من ضياع الوقت والأعصاب، بلا مردود يذكر!

المسؤوليات لا تحتمل الذرائع

المطلوب اليوم هو تكاتف الجهود بين المحافظة ووزارة النقل وإدارة المرور، عبر دراسة شاملة وموضوعية تعيد النظر بالتعرفة المقترحة وتنصف الطرفين (المواطن والسائق).

كما يجب وضع خطة عاجلة لإعادة توزيع السرافيس بما يسد النقص على بعض الخطوط، واقتراح مسارات جديدة تخفف عناء المواطن ولا تزيد من ازدحام المدينة. هذه الخطة لا بد أن تُترجم على أرض الواقع بإدارة مدروسة ورقابة صارمة على الالتزام بالخطوط، خاصة في ظل الازدحام الخانق الذي تعانيه دمشق.

الحل ليس بترحيل الأزمة إلى جيوب المفقرين، ولا بتصريحات المؤسسة المحرومة من الدعم الحكومي التي تُقدَّم وكأنها شريك بالمعاناة. ما يحدث اليوم هو إخلال بالمسؤوليات وتجاهل متعمد لحق المواطن في نقل كريم وآمن ومنظم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1246