الحافلات المدرسية عبء مالي يرهق الأهالي ويثقل كاهل الطلاب
رشا عيد رشا عيد

الحافلات المدرسية عبء مالي يرهق الأهالي ويثقل كاهل الطلاب

يأتي أيلول مثقلاً بالهموم على السوريين، لتزداد الأولويات وتتراكم الضروريات التي لم يعد بالإمكان المفاضلة بينها، بعدما غابت الرفاهية من حياة الأسر لتتحول القائمة اليومية إلى أساسيات فقط. وفي خضم هذه الضغوط، برزت ظاهرة «نقل الطلاب بالحافلات إلى المدارس الحكومية» كضرورة ملحة، خصوصاً بعد سنوات الحرب التي كرّست الخوف والقلق وعدم الاستقرار الأمني حتى اليوم. ورغم أهميتها، تحضر هذه الخدمة بخجل هذا العام في ظل الظروف الاقتصادية القاسية.

لماذا يلجأ الأهالي إليها؟

مع بدء العام الدراسي، تنشط حركة الحافلات المدرسية، وغالبيتها ليست سوى «سرافيس» مخصّصة لنقل الركاب أو سيارات خاصة مؤجرة. يتم الاتفاق مع أصحابها على أسعار ثابتة لا تقبل النقاش أو التخفيض، إذ يواجه الأهل ذريعة «التكاليف المرتفعة» المعتادة كل عام أمام جشع بعض السائقين واستغلالهم.

وتختلف الأسعار تبعاً للمنطقة داخل دمشق أو في ريفها، حتى باتت بعض التكاليف تقارب أقساط مدرسة خاصة، مما يشكل عبئاً ثقيلاً يفوق قدرة الكثير من العائلات. وغالباً ما يتولى بعض الأهالي مهمة تنظيم مجموعة من الطلاب لإكمال العدد والتفاوض مع السائق.

هذا ما قامت به «رانيا محمد» من منطقة المزة، حيث جمعت 17 طالباً لنقلهم إلى شارع «تجمع المدارس» للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، مقابل 200 ألف ليرة سورية للطالب شهرياً.

تقول رانيا إن السبب الرئيسي هو صغر سن ابنها (الصف الأول) وخوفها من ذهابه بمفرده، إضافة إلى انشغال الوالدين بالعمل وصعوبة التوفيق مع أزمة المواصلات العامة والازدحام الخانق صباحاً وظهراً. كما أن بعد المسافة، والبحث عن مدارس أفضل أو بدوام واحد، يجبر العائلات على هذا الخيار رغم تكلفته المرتفعة. ومع قدوم الشتاء يصبح النقل بالحافلة ضرورة لا مفر منها، لتبقى المعادلة قاسية، تكاليف إضافية في مقابل دخل يتآكل، وعلى حساب أساسيات أخرى في الحياة.

تكاليف باهظة

تشكل تكاليف النقل المدرسي عقبة كبرى أمام الأسر محدودة الدخل، إذ تتجاوز أحياناً راتب شهر كامل لعائلة لديها طالبان.

تكلفة النقل بالسرفيس: 150 – 250 ألف ل.س شهرياً للطالب.

النقل بالسيارة الخاصة (5 – 6 طلاب فقط): 300 – 350 ألف ل.س شهرياً.

ويكرر السائقون المبررات نفسها كل عام: ارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار والصيانة وتقلّبات سعر الصرف، فضلاً عن طول المسافات وصعوبة الطرق. إلا أن النتيجة واحدة: عمل مريح بساعات أقل وربح أكبر مقارنة بالنقل العام، خاصة مع وجود مدارس خاصة تفتح باباً واسعاً للأجور الخيالية.

لا ضمانات للسلامة والبدائل خطِرة

يبقى الضمان الوحيد للأهالي هو وعود السائق «بتحمّل المسؤولية» والحفاظ على سلامة الطلاب. غير أن الواقع يعكس صورة مقلقة، سرافيس مخصّصة لـ 14 راكباً تُحشر فيها 20 طالباً، غياب شبه تام للمشرفات اللواتي يُفترض أن يتابعن الطلاب داخل الحافلة، بيئة مكتظة تشكل بؤرة للأمراض والعدوى، وإرهاق جسدي ونفسي للطالب نتيجة طول ساعات الانتظار والتأخير عند التجمعات أو بسبب الازدحام المروري.

وما يزيد خطورة الأمر لجوء بعض الأسر إلى بدائل أقل تكلفة لكنها محفوفة بالمخاطر، مثل إرسال الطفل على دراجة هوائية وسط ازدحام المدينة.

الغياب الرسمي

يبقى السؤال: أين الرقابة الرسمية من هذا الواقع؟ فاستغلال حاجة الأهالي ونقص البدائل الآمنة يتركان الجميع تحت رحمة السوق والفوضى. ومن يتحمّل مسؤولية إدارة أزمة بهذا الحجم تُنهك فيها جيوب المفقرين وتزداد معاناتهم يوماً بعد يوم؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1246