بين الإصلاح والاحتكار... ما مستقبل البنوك السورية؟

بين الإصلاح والاحتكار... ما مستقبل البنوك السورية؟

أصدر مصرف سورية المركزي في تقريره اليومي للأسواق بتاريخ 18 أيلول عرضاً موسعاً حول استراتيجيات إعادة هيكلة المصارف. التقرير تناول بالتفصيل كيفية التعامل مع البنوك المتعثرة، بدءاً من التدخل المبكر وصولاً إلى الحل والتصفية. ورغم الطابع الفني للطرح، إلا أن الرسالة التي يلمّح إليها التقرير تتعلق مباشرة بواقع البنوك العاملة في سورية اليوم.

إشارات مقلقة عن وضع بعض البنوك

عندما يتحدث المصرف المركزي عن مفاهيم مثل «البنك غير القابل للاستمرار» و«التدخل المبكر»، فهذا يعني أن هناك بنوكاً في وضع هش وتحت المراقبة. فالتركيز على أدوات مثل نقل الأصول إلى بنك آخر أو إنشاء بنك جسر مؤقت ليس مجرد تنظير، بل استعداداً لاحتمال تدهور أوضاع بعض المؤسسات المصرفية.

وعود بحماية المودعين

في المقابل، شدّد التقرير على أن أي عملية حل أو تصفية ستُدار بطريقة سريعة ومنظمة تحمي المودعين وتضمن استمرار الخدمات المصرفية الأساسية. هذه إشارة واضحة لطمأنة الجمهور، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع الثقة بالقطاع المالي.

القروض المتعثرة... المرض المزمن

من أبرز ما ورد في التقرير هو الحديث عن القروض المتعثرة، التي تُعتبر أبرز نقطة ضعف في البنوك السورية. أشار المركزي إلى إمكانية إنشاء صناديق خاصة لإدارة هذه الديون، لكن نجاح مثل هذه الخطوة يحتاج إلى قوانين واضحة ومؤسسات قوية، وهي عوامل ما زالت ضعيفة في البيئة السورية الحالية.

دمج واستحواذ... أم احتكار؟

التقرير دعا إلى تشجيع عمليات الاندماج والاستحواذ بين البنوك كوسيلة لإعادة الهيكلة. صحيح أن هذه الخطوة قد تعزز قوة القطاع، لكنها تنطوي أيضاً على مخاطر كبيرة في سورية وهي:

  • احتكار العمليات المصرفية من قبل عدد محدود من البنوك الكبرى.
  • إضعاف دور البنوك الصغيرة التي تخدم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
  • نشوء كيانات مالية ضخمة «أكبر من أن تُفشل»، ما يجعل إنقاذها لاحقاً عبئاً على الدولة.

بهذا المعنى، فإن إعادة الهيكلة قد تتحول من وسيلة للإصلاح إلى أداة لتركيز النفوذ المالي بيد قلة من البنوك.

المركزي بين الطموح والقدرة

يحاول مصرف سورية المركزي عبر التقرير أن يُظهر امتلاكه لرؤية واضحة وأدوات جاهزة لإدارة الأزمات المصرفية. لكن الواقع يقول إن قدرته على إدارة دفة السياسات النقدية لا تزال محدودة، بسبب التضخم، وتراجع سعر الصرف، وضعف الشفافية، وارتباط القرارات المالية بالاعتبارات السياسية أكثر من الاقتصادية.

التحذير المبكر لا ينفي مخاطر الاحتكار المالي

تقرير المركزي المؤرخ في 18 أيلول يمكن قراءته كتحذير مبكر من أن بعض البنوك السورية قد تكون على أعتاب أزمة، وفي الوقت نفسه هو محاولة لطمأنة المودعين بأن أموالهم في أمان. لكن في ظل هشاشة الاقتصاد السوري وضعف أدوات المصرف المركزي، يبقى الخطر الأكبر أن تتحول إعادة الهيكلة إلى مسار احتكار مالي، بدلاً من أن تكون وسيلة لإصلاح القطاع وتعزيز استقراره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245