قانون الضريبة على المبيعات... جباية سريعة بمسمى جديد
أعلنت وزارة المالية في 23 من أيلول إنجاز مشروع قانون جديد للضريبة على المبيعات، ووفقاً للوزارة يتسم المشروع «بالحداثة»، حيث تم إلغاء رسم الإنفاق الاستهلاكي واستبداله بضريبة المبيعات و«التنافسية».
ورغم حديث وزير المالية في منشور على صفحته الشخصية على فيسبوك أن القانون يعفي المواد الغذائية الأساسية، إلا أن الإعفاء يبدو شكلياً في ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي يعيشه الشعب السوري؛ صحيح أن المواطن لن يرى الضريبة على الفاتورة، لكنه سيلمسها في الحياة اليومية.
ضريبة على المبيعات أم على الاستهلاك؟
لا ينظر القانون إلى الأثر الاجتماعي لضريبة المبيعات في سياق قدرة شرائية هي في أدنى مستوياتها، ومعدلات فقر ضخمة، وقطاعات إنتاجية شبه متوقفة، واعتماد شبه كلي على الاستيراد. حيث تعد هذه الضريبة تراجعية، أي إنها تفرض عبئاً أكبر على الفئات ذات الدخل المحدود؛ فالفقراء ينفقون نسبة أكبر من دخلهم على السلع والخدمات الأساسية، وبالتالي يدفعون نسبة أكبر من دخلهم على شكل ضرائب مبيعات.
وبدلاً من أن يكون القانون أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية من بوابة إعادة توزيع الثروة كما يفترض، تصبح ضريبة المبيعات أداة لتمويل الدولة على حساب مستوى معيشة الغالبية العظمى من السوريين. فبينما تبدو كلمة «مبيعات» أكثر حيادية، وكأن العبء يقع على التاجر أو دورة اقتصاد مجردة، مقابل كلمة «استهلاك» التي توحي بأن المواطن العادي هو من يدفع الضرائب، إلا أن تغيير الأسماء لا يغير جوهر القوانين، فضريبة المبيعات، أو الضريبة على القيمة المضافة (VAT)، هي في جوهرها ضريبة استهلاكية.
إعفاء الصادرات
يهدف هذا الإجراء وفق ما ذكرته الوزارة إلى دعم الإنتاج وتعزيز قدرته التنافسية، ما قد يزيد من حجم الصادرات ويفتح آفاقاً للنمو الاقتصادي. نظرياً هذا إيجابي، ولكن في السياق الحالي قد تتحول الإعفاءات إلى ربح مضاف للمصدرين وشبكات الاحتكار على حساب المواطن.
فمن جهة يبيع المصدِّر السلع والمنتجات بسعر أعلى من نظيره المحلي في السوق الخارجية، ما يزيد بشكل مباشر من هامش ربحه نتيجة الإعفاءات، ومن جهة أخرى، يبقى المواطن المتضرر الأول؛ فهو يدفع الضريبة كاملة (5% أو أكثر) على كل ما يستهلكه، وفي ظل دخله المحدود بالليرة، لا يعود قادراً على مواكبة الارتفاع المستمر في الأسعار.
هذا يعني أن السياسة الحكومية، بقصد أو بغير قصد، تموّل الإعفاءات بشكل مباشر من الإيرادات المجمعة من الضرائب التي يدفعها المواطنون، وتقوم بتحويل الثروة من المستهلك المحلي (المفقر غالباً) إلى جيوب المصدرين وشبكاتهم.
وفي ظل البنية الاقتصادية-الاجتماعية القائمة، وتهالك البنى التحتية، وارتفاع التكاليف التشغيلية، وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي، قد يتحول هذا الإعفاء إلى مكاسب لشبكات محددة تتحكم بقنوات التصدير، لتتضاعف أرباحها بينما يدفع الناس ثمن غلاء المعيشة المستمر وانخفاض قدرتهم الشرائية. وما يُقدَّم على أنه «سياسة وطنية» لتشجيع التصدير، يصبح آلية لترحيل الثروة من أسفل إلى أعلى.
25% من الضرائب لدعم الصناعة
الهدف المعلن من ذلك هو دعم الصناعة والصادرات للوصول إلى تنمية اقتصادية، أما الوضع القائم يشير إلى أن الضريبة يدفعها الفقير والغني بالنسبة نفسها. حيث يتم تمويل دعم القطاع الإنتاجي من خلال ضريبة تُضعف المستهلك.
أما ضخّ أموال إضافية في المنظومة الاقتصادية الحالية، التي تُنتج الفساد والاحتكار وتدمر الإنتاج، من دون تغيير هيكلي وجذري سيؤدي إلى إعادة إنتاج تناقضاتها فقط على نطاق أوسع. فبدلاً من فرض ضريبة تراجعية ثم محاولة «ترقيع» آثارها المدمرة بدعم مشكوك في فعاليته، الأجدى فرض ضرائب تصاعدية حقيقية على الثروة والدخل المرتفع وليس على استهلاك المفقرين. بالإضافة إلى بناء نظام ضريبي تكون وظيفته إعادة توزيع الثروة وليس تمويل الدولة، وتفكيك شبكات الاحتكار المتحكمة بقنوات الإنتاج والتوزيع.
المواطن يدفع رغم الإعفاء
يخلق الإعلان الرسمي حول إعفاء السلع الأساسية من ضريبة المبيعات وهماً بأن الدولة تحمي الطبقات الكادحة، ويصدَّر كإجراء اجتماعي لحماية الفئات الأضعف وتخفيف الأعباء المعيشية. ولكن في اقتصاد السوق الحر الذي تسعى نحوه السلطة وبقوة، لا تعيش السلع في فراغ، فالضريبة التي تُفرض على أي حلقة في هذه السلسلة تنتقل حتماً إلى الحلقات التالية، وأخيراً إلى المستهلك.
فالإعفاء لا يمنع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بل قد يكون ذريعة لرفعها، حيث تُلقى المسؤولية على «الضرائب الأخرى» و«التكاليف العامة»، بينما يتمتع كبار التجار والمحتكرين بهامش ربح أعلى تحت غطاء «الإعفاء الضريبي».
وفي المحصلة سيواصل المواطن دفع الثمن، ليس عبر الأسعار فقط، بل عبر تمويل الإعفاءات للمصدرين والمستثمرين المحليين والأجانب من خلال الضرائب التي يسددها على كل ما يستهلكه خارج نطاق القائمة الضيّقة للسلع المعفاة «شكلياً».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1245