نظرة عامة على الصادرات السورية... نمو حقيقي أم عجز كبير؟
فرح شرف فرح شرف

نظرة عامة على الصادرات السورية... نمو حقيقي أم عجز كبير؟

سجلت الصادرات السورية خلال النصف الأول من عام 2025 نمواً بنسبة 39% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، فقد بلغت قيمتها 500 مليون يورو (نحو 580 مليون دولار).

وفيما يبدو فإن نسبة النمو جيدة جداً لكن الرقم لا يمثل انتعاشاً حقيقياً، بل أشبه بارتداد من قاع عميق، وليس ذا معنى مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة. فالصادرات انخفضت بنسبة 95% منذ العام 2010.

هيكل الصادرات

بالنظر إلى التركيبة التصديرية، يعكس الاعتماد على المواد الخام (الفوسفات) والمنتجات الزراعية، تراجعاً لقطاع الصناعة التحويلية، فقد بلغت نسبة الصناعات الكيميائية 47% من الصادرات الصناعية، وهي في الغالب مواد أولية أو منتجات كيماوية بسيطة.

أما الصناعات الغذائية فبلغت نسبتها 17% (60 مليون يورو)، وهو مؤشر إيجابي لكنه محدود، و15% للصناعات النسيجية، وهي في الأغلب إنتاج تقليدي منخفض القيمة المضافة، فيما بلغت صادرات المنتجات الزراعية 64% (320 مليون يورو)، 18% منها من المواشي (38200 رأس غنم).

ومع أن العجز التجاري عام 2010 بلغ 6,209 مليار دولار، حيث بلغت الصادرات 11,353 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 17,562 مليار، إلا أن صادرات 2025 لا تمثل سوى 5,11% من صادرات 2010، ما يعني أن الفجوة هائلة حتى مع افتراض نمو الصادرات في النصف الثاني من هذا العام.

تركيا والأردن تتصدران الواردات

تغيب الإحصائيات حول حجم ومصدر الواردات بشكل عام، ولكن وفق البيانات التركية فقد بلغ حجم الواردات التركية 1,8 مليار دولار خلال فترة 7 أشهر، مقابل 143 ألف دولار صادرات فقط، وهو مؤشر كارثي؛ فهذه الأرقام لا تعكس مجرد خلل في الميزان التجاري، بل تجسد تدفقاً أحادي الجانب للسلع التركية إلى السوق السورية، بينما تبقى الصادرات شبه معدومة.

كذلك العجز مع الأردن كبير نسبياً، فوفق دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، صعدت الصادرات الأردنية إلى سورية بنسبة 405% مسجلةً 149,2 مليون دولار، مقابل تصدير سورية ما قيمته 64,8 مليون، أي بعجز يقارب 84,4 مليون دولار!

ورغم أن العجز مع الأردن أقل حدّة، فإنه يظل مؤشراً على ضرورة تعزيز القدرات الإنتاجية المحلية، ما يذكّر بصورة تقليدية للاقتصادات التابعة التي تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع النهائية، مقابل صادرات محدودة، تقتصر على المواد الخام، ما يؤدي إلى مزيد من استنزاف للعملة الصعبة، ويعيق دعم الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وبالتالي يعمّق التبعية الاقتصادية.

هل النمو في الصادرات دلالة على تعافٍ حقيقي؟

أبرز التحفظات تكمن في قاعدة المقارنة المنخفضة، فعندما تصل نسبة النمو إلى 39%، يجب النظر إلى النقطة التي بدأ منها. حيث تصبح المقارنة مع العام الفائت غير دقيقة تماماً، بسبب العقوبات والحصار، فإزالة جزء من العقوبات يمكن أن يؤدي إلى تحسن طبيعي في النشاط التجاري من دون أن يعني ذلك تحسناً في القدرة الإنتاجية أو التنافسية.

لذا فإن الارتفاع لا يعكس بالضرورة تطوراً هيكلياً إيجابياً، بقدر ما يعكس استعادة جزئية لما فُقد. وإذا لم يوازِ النمو في الصادرات تحسناً في مستويات الدخل، أو تراجعاً في معدلات البطالة، أو زيادة في الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، يبقى التأثير محدوداً، بل ومؤقتاً، طالما أنه لا يُحدث فرقاً في قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم، ولا على جودة الخدمات، أو توفير فرص عمل مستقرة.

المواطن وخساراته

تبلغ حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (6,2 مليارات دولار) نحو 370 دولاراً سنوياً، رغم تراجع عدد السكان من 22 مليون إلى نحو 17 مليون، مقابل 2700 دولار عام 2010، أي بانخفاض حاد بلغ نحو 86%، وهو مؤشر صارخ على انحدار مستوى المعيشة وتآكل القدرة الشرائية. كما أنه يُفسر سبب عدم شعور المواطن بأي تحسن، على الرغم من الضجة الإعلامية التي تُثار حول الإنجازات والتقدم الاقتصادي.

فالصادرات التي بلغت نحو 580 مليون دولار خلال 7 أشهر، وإن كانت تُقدَّم كإنجاز اقتصادي، إلا أن نصيب الفرد منها لا يتعدى 34 دولاراً؛ أي 9,18% من دخل الفرد من الناتج المحلي.

وبحسب الأمم المتحدة فإن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 800 مليار دولار منذ 2010، وبالتالي فإن أي «نمو» في الصادرات لا يأتي من إضافة طاقات إنتاجية جديدة، بقدر ما هو استنزاف للطاقات الإنتاجية المتبقية، وتصدير المتاح من الموارد، حتى لو كان ذلك أحياناً على حساب احتياجات السوق المحلي، أو على حساب بناء وتطوير هذه الطاقات على المدى الطويل.

المخاطر الكامنة

يبدو الاعتماد على تصدير الموارد الطبيعية بدلاً من التركيز على التنمية الصناعية الشاملة، حلاً سريعاً للأزمات الاقتصادية، إلا أنه يحمل في طياته بذور تداعيات خطِرة قد تؤدي إلى تبعية لاقتصادات مجاورة وتراجع في مستوى التنمية.

وبالتالي يصبح «الإنجاز» الوحيد الذي يمكن تحقيقه في ظل هذا النموذج الريعي هو بقاء الاقتصاد على «المَنفَسة»، رهيناً بتصدير الموارد الخام والمنتجات الزراعية. بينما تتطلب التنمية الحقيقية استراتيجية شاملة، تركز على تنويع مصادر الدخل، والاستثمار في رأس المال البشري، ودعم الصناعات التحويلية التي تعتبر أساس النمو الاقتصادي وخلق قيمة مضافة، عوضاً عن عوائد سريعة لا تساهم في بناء قاعدة إنتاجية قوية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245