من اقتصاد الإنتاج إلى اقتصاد الاستهلاك... رواتبنا تُدفع من المنح!

من اقتصاد الإنتاج إلى اقتصاد الاستهلاك... رواتبنا تُدفع من المنح!

من بلد يزرع ويصدّر... إلى بلد ينتظر «منحة» لدفع الأجور!

كان السوري يعرف نفسه عبر ما يزرع ويصنع: 3 ملايين طن من القمح سنوياً قبل 2010 جعلت البلاد مكتفية غذائياً، وحلب الصناعية كانت تصدّر نصف منتجات سورية النسيجية، فيما القطن السوري– «الذهب الأبيض» – تجاوز إنتاجه 600 ألف طن سنوياً، يحرّك آلاف المعامل وآلاف فرص العمل.

اليوم، قد تراجع القمح بأكثر من 40%، القطن انهار إلى أقل من 30 ألف طن، وصادرات النسيج لا تتعدى 99 مليون دولار في 2023، بعد أن كانت الصناعة النسيجية من ركائز الاقتصاد الوطني.

باختصار: البلد الذي كان يُنتج غذاءه وكساءه صار يستورد كل شيء تقريباً.

وزير المالية والشكر على المنحة... «تعافٍ» أم إعلان إفلاس؟

في ظل هذا الانهيار، يخرج وزير المالية محمد يسر برنية ليبشّرنا عبر «فيسبوك» بمنحة سعودية– قطرية قدرها 29 مليون دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر، مخصّصة لدعم بند الأجور، ويقول: «هذه المبادرة تأتي انسجاماً مع جهود الحكومة السورية الرامية إلى تعزيز مسار الإصلاحات المالية والاقتصادية وترسيخ مقوّمات الاستقرار والتعافي الاقتصادي والاجتماعي»

لكن الأرقام تفضح: فاتورة الرواتب الشهرية بعد رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900 ألف ليرة تقريباً تبلغ بين 136 مليون دولار (بحال عدد العاملين 1,5 مليون). المنحة إذن لا تغطي سوى 16% تقريباً من الرواتب!

فأي استقرار هذا الذي يُبنى على منحة لا تكفي حتى لربع الرواتب؟ وأي تعافٍ يُقاس بقدرة الدولة على دفع جزء من الأجور من جيوب الآخرين؟

السوق الحر... مقصلة الإنتاج الوطني

تحت شعار «اقتصاد السوق الحر» و«تشجيع الاستثمار»، جرى:

  • تفكيك ما تبقى من القطاع العام المنتج.
  • إهمال الفلاح والصناعي وتركهم بلا وقود ولا كهرباء ولا دعم.
  • فتح الأبواب للاستيراد بدل الإنتاج.

النتيجة: لا زراعة تكفي، لا صناعة تصدّر، لا قطاع دولة يحمي، ولا استثمار خاص جاد. والبلد بأسره تحوّل من منتِج إلى مستهلك، من مصدّر إلى متسوّل.

الخسارة ليست على الفقراء فقط... بل على الوطن كله

قد يُظن أن الضحية هو الموظف الذي ينتظر راتباً يذوب في الأسواق خلال أسبوع. لكن الخسارة أوسع:

  • فقدان الأمن الغذائي بعد انهيار إنتاج القمح والقطن وغيرها من المواسم.
  • فقدان السيادة الاقتصادية حين تُدفع الرواتب من منح خارجية.
  • ضرب المصلحة الوطنية حين يُفرّط بمقومات الاقتصاد الحقيقي مقابل خطاب أجوف عن «السوق الحر»

المنحة فضيحة وليست تعافياً

تصريح وزير المالية ليس دليلاً على التعافي بل وثيقة اتهام: دولة عجزت عن تمويل رواتب موظفيها من إنتاجها، وتسوّق منحة خارجية لا تغطي حتى ربع الفاتورة كإنجاز استراتيجي.

التعافي الحقيقي لن يبدأ إلا حين تصبح سورية أفضل مما كانت عليه، بلد يزرع ويصنع ويصدّر، لا بلد ينتظر «منحة» كل شهر ليبقى واقفاً على قدميه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245