مصائد التداول الرقمي... وعود بالربح السريع توقع قليلي الخبرة والحيلة
رشا عيد رشا عيد

مصائد التداول الرقمي... وعود بالربح السريع توقع قليلي الخبرة والحيلة

يزداد الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة ليست بجديدة لكنها عادت للانتشار بقوة، وهي ظاهرة التداول الرقمي، وخاصة لدى فئة الشباب الذين وجدوا فيها طوق نجاة للخروج من تردي الواقع المعيشي وندرة فرص العمل في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة في سورية.

فتكاد لا تخلو أحاديثهم من التداول الرقمي وأرباحه السريعة والمضمونة، رغم كل التحذيرات الرسمية بعدم الاعتراف به وأن الحكومة لا تمنح ترخيصاً لأي منصة، لكنه انتشر كالنار في الهشيم والنتيجة: آلاف الضحايا والقصص عن الاحتيال المالي!

وهم الأرباح السريعة

التكنولوجيا الحديثة وسهولة الدخول إلى الأسواق المالية عبر الإنترنت ساهم في تفشي الظاهرة، فبإمكان أي شخص دخول عالم التداول بنقرة واحدة!

هذا ما فتح المجال أمام منصات وهمية غير مرخصة لاستهداف المتداولين الجدد من خلال حملات إعلانية مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإغراءات رقمية ووعود بأرباح سريعة ومضمونة في وقت قياسي، مستغلة غياب الرقابة والتنظيم لهذا المجال، مع نقص في التوعية المالية وضعف إدارة المخاطر، ليصبح هؤلاء فريسة سهلة للنصب والاحتيال.

فالتداول الرقمي باختصار، عملية بيع وشراء الأصول المالية عبر الإنترنت باستخدام منصات إلكترونية، ويشمل ذلك: العملات المشفرة (الرقمية)، الأسهم، الفوركس (العملات الأجنبية).

كيف تتم العملية؟

تبدأ باختيار منصة للتداول وتنزيل التطبيق الخاص بها لتسجيل الدخول، وبعدها إنشاء محفظة إلكترونية لعمليات السحب والإيداع وبرقم سري، قد تقوم بذلك شخصياً أو عن طريق وكيل يتولى المهمة، وهو الغالب.

والشائع هو التداول اليومي بالعملات الرقمية، أي البيع عند ارتفاع سعرها والشراء عند الانخفاض خلال فترة قصيرة (ساعات أو أيام) بهدف استغلال تقلبات السوق اليومية وتحقيق أرباح سريعة من فروق الأسعار، وهذه تسمى «صفقة»، حيث يعتمد ذلك على التوقع من خلال تحليل الرسوم البيانية وتعقب اتجاهات السوق، بالإضافة إلى متابعة الأخبار الاقتصادية والمشاريع والتحديثات المالية التي تؤثر على قيمتها، وغالباً بوجود الوكيل الذي يقوم بذلك ويوجه المتداولين لاتخاذ القرار الصحيح.

وهذا ما أكده «مصطفى محمود» اسم مستعار ليحدثنا عن تجربته قائلاً «لجأت للتداول الرقمي بعد إقناع صديقي وتشجعيه لي لأدّخر وأستثمر أموالاً لضمان سفري للعمل في الخارج بعد اليأس من إيجاد فرصة عمل مناسبة هنا، عرّفني على الوكيل وشرح لي العملية وعن الأرباح المغرية وموثوقية الاستثمار معه، لأنضم إلى مجموعة من المتداولين عبر تطبيق «تلغرام» بعد أن أودعت مبلغ 100 دولار، حيث يقوم الوكيل بإرسال التعليمات وتوجهينا لفتح المنصة في ثلاثة أوقات «وتضرب ضربتك» خلال دقائق معدودة. وفي الشهر الأول كان يقاسمني الوكيل بنسبة له على أرباحي، وبعدها أصبحت صافية لي وجنيت أرباحاً كبيرة، وضاعفت المبلغ حتى وصل إلى 1500 دولار كرأس مال عدا الأرباح، وبعد أربعة أشهر قررت سحب أموالي والتوقف لكونه أصبح مبلغاً مقبولاً، وفي الحقيقة بدأت أدمن على الأمر مع خوفي من خسارة كل ما أملك، وهذا ما كان فعلاً، فعند محاولة سحب المبلغ من المحفظة طُلب مني دفع رسوم وبعدها لم تعد تعمل واختفت المنصة، والوكيل خارج نطاق التغطية، لأعلم بعدها أن الجميع وقع في المصيدة وفخ الطمع، وخسرت ما يقارب 3500 دولار».

هناك الكثير من قصص الاحتيال الشبيهة عن منصات ظهرت فجأة واختفت فجأة لتختفي معها كل الأرباح، حتى رأس المال، «فالنصّاب يحتاج طمّاعاً غشيماً»!

محفوفة بالمخاطر

من صفات التداول، تقلبات الأسعار وبالتالي خسائر كبيرة أحياناً، كذلك مخاطر تنظيمية متعلقة بإدارة المحافظ الإلكترونية وتعرضها لهجمات قرصنة، كما أنها تجري في ساحات خالية من القوانين، وغياب أي نواظم ثابتة وواضحة في سورية، أي لا حماية للحقوق.

ناهيك عن الإدمان على التداول، الذي يتحول إلى سلوك قهري قائم على الحظ والطمع بالمزيد، وكأنها «لعبة إلكترونية» تحكمها العاطفة وردود الفعل اللحظية، وما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية كالاكتئاب، والتوتر وانهيار العلاقات، وحتى الانتحار.

مع العلم أن المخاطر تصل إلى اقتصاد الدولة نفسها في حال اعتمادها التداول بالعملات الرقمية.

ففي دولة «سلفادور» في عام 2021، أُعلنت عملة «بيتكوين» الرقمية كعملة رسمية في خطوة نحو الحداثة المالية، وقد أدى ذلك إلى:

  • خسارة الحكومة جزءاً من استثماراتها (نحو 270 مليون دولار) بسبب هبوط أسعارها.
  • ضعف ثقة صندوق النقد الدولي ورفض دعمها.

أثرت على الاستقرار المالي بسبب تقلباتها المستمرة، مما أضعف ثقة المستثمرين بالسياسات الاقتصادية.

الأزمة أعمق!

لا يكفي التحذير، والتأكيد بأن الأمر «مسؤوليتك، ولا تحميك القوانين إن قررت الدخول والتداول».

فالأزمة الاقتصادية الاجتماعية العميقة لا تحتاج إلى التحذير من الوعود الخلبية بالربح من المنصات والنصابين فقط، بل إلى فرص عمل كريمة وأفق اقتصادي آمن.

فلو وفرت الدولة فرص عمل مناسبة للشباب وحسنت واقعهم المعيشي لما لجأ البعض إلى هذه المغامرة والمخاطرة، ناهيك عن ضعف الثقة بالبنية المصرفية الهشة التي لا توفر أدوات مالية آمنة وشفافة، ليس للمواطنين العاديين، بل وحتى لرجال الأعمال والمستثمرين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245