على حساب صحة المواطن وسلامته... واقع المشافي الحكومية إلى متى؟!
رهف ونوس رهف ونوس

على حساب صحة المواطن وسلامته... واقع المشافي الحكومية إلى متى؟!

تفاقم سوء واقع القطاع الصحي بشكل عام، من البنية التحتية إلى الخدمات الصحية، وعلى وجه الخصوص المشافي الحكومية، لدرجة لم يعد وصفه «بالمتدهور» كافياً لنقل ما يحدث على أرض الواقع والذي بات يهدد أمن المواطن الصحي.

فالمشكلة تخطت توفر المواد الأساسية والمستلزمات الطبية من معقمات وإبر وغيرها من مواد الإسعافات الأولية، ناهيك عن نقص في الكادر الطبي كماً ونوعاً نتيجة الهجرة المستمرة إلى يومنا هذا، وصولاً إلى الأخطر وهو النظافة التي باتت شبه معدومة.

فمن المخجل أن نتحدث عن هذا الواقع في مشفى يُفترض أن يوفر بيئة صحية نظيفة وآمنة وعلاج متكامل، على أقل تقدير.

النظافة من سيّئ إلى أسوأ

تعاني معظم المشافي الحكومية في العاصمة من تردٍّ ملحوظ في مستوى الخدمات وعلى رأسها غياب النظافة، وخاصة بعد فسخ العقود مع شركات التنظيف التي كانت توفر بيئة نظيفة نوعاً ما، وذلك تحت شعار «محاربة الفساد وإعادة الهيكلة» ولعل هذه خطوة مهمة، لكن يجب توفير بدائل فعالة!

فأول ما تمت ملاحظته عند زيارة ميدانية لمشفى «المواساة الجامعي» في دمشق، أن تستقبلك الروائح الكريهة من كل حدبٍ وصوب، كمشهد تراكم النفايات الطبية وغيرها، كذلك الغرف المكتظة بالمرضى، والمرافق العامة التي تفتقر إلى أدنى معايير النظافة، ناهيك عن الإسعاف الذي بات بيئة خصبة لانتقال العدوى وانشار الأمراض الخطِرة باستخدام الأسرة والأغطية نفسها لجميع المرضى دون أي إجراءات وقائية.

وقد أبدى العديد من المرضى والكادر الطبي تخوفهم من استمرار هذا الوضع وآثاره الكارثية، حيث أكدت إحدى الممرضات، قائلة: النظافة معدومة وكذلك التعقيم، وهذا يؤثر بشكل سلبي على الجميع مما يضطرنا كما المرضى للتنظيف بأنفسنا لتوفير بيئة عمل صحية، وعلى الرغم من وجود مستخدمين موظفين فعلياً داخل المشفى ولكنهم قِلة ولا يؤدون المهمة.
فالنظافة والعقامة أهم عوامل الوقاية في المشافي، وليست مجرد مسألة شكلية، فهي تمس صحة وسلامة المريض.

ليس بالجديد ولكن إلى متى؟!

منذ سنوات الأزمة والخدمات الصحية في تراجع تدريجي، وتعمقت خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى واقع مأساوي اليوم، يتحمل أعباءه وتكاليفه المواطن (المريض) وحده، من أبسط الأمور إلى أعقدها، مع نقص المواد الطبية من معقمات وإبر وكفوف طبية ومضادات، حتى الأدوية الإسعافية كالمسكنات والتجهيزات، كأجهزة التنفس الاصطناعي والمراقبة الحيوية، وصولاً إلى لوازم العمليات، وهذا ما أكده أحد المرضى، عند إجراء عملية جراحية في مشفى المواساة، قائلاً: اشتريت المعدات الجراحية، ناهيك عن الأدوية والمستلزمات الطبية وغير ذلك، لأنني لا أملك تكلفة العملية في مشفى خاص لجأت إلى الحكومي الأقل تكلفة وأنا من خارج المحافظة، فظننت ما حدث معي حالة استثنائية لكن اتضح أنه أمر واقع، فبتنا ندفع تكلفة الطبابة التي تدّعي المجانية!

ويضاف إلى ذلك تعطل الأجهزة، كأجهزة الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي، فمن الطبيعي بعد كل ما سبق أن تشهد الخدمة الصحية مزيداً من التراجع والتردي وكل ذلك على حساب صحة المواطن وسلامته ومن جيبه.

نقص الكوادر الطبية أيضاً

ولعل ما يزيد المشكلة سوءاً، نقص الكوادر الطبية، وخاصة الأكفاء من مختلف الاختصاصات، وبالتالي غياب التشخيص الدقيق أيضاً، وذلك بسبب الهجرة بحثاً عن فرص معيشية ومهنية أفضل، والتي ما زالت قائمة إلى يومنا مع استمرار سياسات «التطفيش» بتدني الأجور والتعويضات مع غياب الدعم والتقدير.

الصحة ليست ترفاً

هذا الواقع المُدمّر نتيجة سياسات الحكومات المتعاقبة والفساد المتأصل بكل أشكاله من النهب إلى سوء الإدارة وغياب الرقابة، كذلك الإهمال والتقصير لا يعكس ضعف النظام الصحي فقط، بل أزمة إنسانية حادة بأبعاد كارثية تهدد حياة المواطنين، وخاصة المفقرين الذين يجدون بالمشافي الحكومية خيارهم الوحيد.

هذا الواقع يتطلب إصلاحاً جذرياً لا تصريحات إعلامية واجتماعات تَعِد بخطط مستقبلية، بل تحركاً سريعاً وعاجلاً، فالأولوية الإنسانية لا تحتمل لغة التأجيل والتسويف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1238
آخر تعديل على الإثنين, 11 آب/أغسطس 2025 09:18