الإسمنت السوري... صناعة استراتيجية بين أعباء الواقع وآمال النهوض
رهف ونوس رهف ونوس

الإسمنت السوري... صناعة استراتيجية بين أعباء الواقع وآمال النهوض

مع اقتراب سورية من مرحلة إعادة الإعمار، تبرز صناعة الإسمنت كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني وأحد أبرز القطاعات الاستراتيجية الداعمة لمشاريع البنية التحتية. ورغم امتلاك سورية موارد طبيعية غنية كالحجر الكلسي والطين والجبس، فإن هذه الصناعة لا تزال مثقلة بأعباء سنوات الحرب وأزمات الطاقة ونقص الاستثمارات، ما يجعلها أمام تحدي النهوض الحقيقي.

صناعة استراتيجية على خط الإعمار

الإسمنت هو حجر الأساس لمشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار. سنوات الحرب أدت إلى توقف بعض المعامل وخروج أخرى عن الخدمة، فيما أزمات الطاقة وارتفاع تكاليف التشغيل (65% من تكلفة الإنتاج) فاقمت الوضع، لتصبح الصناعة أمام واقع صعب يهدد قدرتها على تلبية الطلب المحلي المتزايد مع دخول مرحلة إعادة الإعمار.

واقع مثقل بالأعباء وفجوة إنتاجية كبيرة

خارطة معامل الإسمنت في سورية تكشف تراجعاً كبيراً في الإنتاج.
القطاع العام: معامل حماة وطرطوس والرستن وحلب تعاني قدم المعدات وتراجع كفاءة التشغيل، ومعظمها متوقف حالياً باستثناء مطحنة تابعة لمعمل الرستن، بينما معمل عدرا الذي كان يعمل بكامل طاقته (2500–2700 طن يومياً) توقف أخيراً لارتفاع التكاليف.
القطاع الخاص: معامل الشهباء والرصافة والعربية ولافارج متوقفة، وشركة إسمنت البادية في «أبو الشامات» أوقفت الإنتاج منذ 2023.
الطلب المحلي اليوم يتراوح بين 20 و25 ألف طن يومياً (نحو 7 ملايين طن سنوياً)، بينما لا يتجاوز الإنتاج الفعلي 4,5 ملايين طن، ما يترك فجوة تقارب 4 ملايين طن سنوياً تُسد بالاستيراد، مع ما يحمله ذلك من استنزاف ماليّ ومخاطر تهريب منتجات رديئة.

القطاع العام... ركيزة السيادة الاقتصادية

إعادة تأهيل المعامل الحكومية وتحديث خطوط الإنتاج ضرورة لا يمكن تأجيلها، فهي تشكل الضامن الأساسي للأمن الاقتصادي والصناعي للدولة.
الشراكات مع القطاع الخاص أو الاستثمارات الأجنبية يجب أن تأتي مكملة للقطاع العام لا بديلة عنه، بحيث تُسهم في رفع الكفاءة وسد الفجوة الإنتاجية دون استمرار التراجع أو الاعتماد الدائم على الاستيراد.

استثمارات سعودية واعدة تنتظر التنفيذ

منتدى الاستثمار السعودي– السوري (تموز 2025) شهد توقيع نحو 47 اتفاقية، منها مشاريع استراتيجية في صناعة الإسمنت:

  • معمل الفيحاء للإسمنت الأبيض بطاقة 150 ألف طن سنوياً وبتكلفة 20 مليون دولار.
  • مصنعان للإسمنت الأسود وتوسعة خطوط إنتاج شركة إسمنت البادية مع إنشاء محطة توليد للطاقة.

هذه المشاريع تحمل وعوداً بتقليص الفجوة وخلق فرص عمل وإدخال تقنيات حديثة، لكنها تحتاج إلى تنفيذ فعلي وضمانات قانونية واضحة تضمن حقوق الدولة، مع ضرورة أن تشمل الامتيازات الاستثمارية (الإعفاءات الضريبية والجمركية ومصادر الطاقة) معامل القطاع العام أيضاً.

الاستيراد ليس حلاً دائماً

الاعتماد على الاستيراد لتغطية النقص يبقى خياراً مكلفاً ويؤثر سلباً على الميزان التجاري واستقرار الأسعار المحلية. كما يفتح الباب أمام تهريب إسمنت رديء يضر بجودة مشاريع البناء. الحل الجذري يكمن في إعادة التشغيل المحلي وتأهيل البنية الإنتاجية لضمان الاكتفاء الذاتي مستقبلاً.

البيئة والصحة العامة مسؤولية لا يمكن تجاهلها

رغم أهميتها الاقتصادية، تعد صناعة الإسمنت من الصناعات الملوثة للهواء والمياه والتربة. ولتخفيف الأثر البيئي والصحي، يمكن اعتماد تقنيات حديثة مثل:

  • أنظمة ترشيح الغبار والطحن الجاف
  • إنتاج الكلنكر الأخضر
  • استخدام الطاقة الشمسية والوقود البديل
  • فتحقيق التوازن بين الجدوى الاقتصادية وحماية البيئة ضرورة لأية نهضة صناعية مستدامة.

نحو رؤية متكاملة للنهوض الحقيقي

ترميم الفجوة الإنتاجية ودعم القطاع العام هو حجر الزاوية لأي استراتيجية ناجحة. ومع التخطيط المؤسسي والاستثمار المدروس يمكن لسورية تحقيق اكتفاء ذاتي في الإسمنت، وفتح الطريق أمام إعادة إعمار مستقرة واقتصاد متوازن قائم على الإنتاج المحلي لا الاستيراد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237
آخر تعديل على الأحد, 03 آب/أغسطس 2025 21:43