جرمانا تختنق والقمامة تتراكم
لا تزال جرمانا ومنذ أشهر تعاني من أزمة ترحيل القمامة، وصلت في الآونة الأخيرة إلى حدود لا تطاق، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
وفي قلب هذه الأزمة يكمن التناقض الأساسي بين الكثافة السكانية وعجز محافظة ريف دمشق عن تفعيل البلديات بشكل حقيقي وفعّال لاتخاذ الإجراءات اللازمة لجمع النفايات والتخلص منها.
تحولات فاقمت الأزمة
قامت محافظة ريف دمشق في شهر نيسان من العام الحالي بإنهاء تكليف مجلس المدينة في قضية ترحيل القمامة، ونقلها إلى دائرة النظافة في المحافظة، وقد نتج عن ذلك فراغ تنظيمي أحدث ارتباكاً وشللاً في التعامل مع هذه الأزمة.
ورغم تفاؤل المجلس بتلزيم ملف النظافة لشركة حكومية إلا أن المشكلة لم تُحل، بل ساهم نقل الملف من دون وجود آليات واضحة إلى تقصير وتأخير في عمليات جمع القمامة وترحيلها. مما انعكس بشكل مباشر على واقع الناس المتمثل في تراكم أكوام القمامة، وانتشار الروائح الكريهة، وتزايد المخاطر الصحية والبيئية.
آليات متهالكة ونقص في العمّال
وفق خطة عمل «جديدة» أعادت دائرة النظافة توزيع جميع العمال في الغوطة الشرقية، وسحبت كل الآليات؛ وهي جميعها متهالكة وقديمة.
تعتبر هذه الآليات التي تعتمد عليها الدائرة من الأسباب الرئيسية وراء تفاقم أزمة القمامة، فهي لا تُعيق سير العمل فحسب، بل تزيد من تكاليف الصيانة والتشغيل أيضاً، وتُقلل من كفاءة العمل. وكان الأجدى استقدام آليات جديدة بوصفه استثمار طويل الأمد، يضمن استمرارية الخدمة ويحسن من جودتها، ويعد أقل كلفة مقارنة مع تكاليف الإصلاح.
أما المشكلة الثانية فقد تمثلت في سوء توزيع العمال على مستوى الغوطة الشرقية، ما قلل من كفاءة العمل والقدرة على الاستجابة للمناطق الأكثر احتياجاً والتي تعاني من أزمة حقيقية في تراكم النفايات. فعوضاً عن ردف كوادر البلديات التي تعاني من نقص، فُصل البعض من عملهم ووزِّع الباقي حسب «الخطة».
المجلس المحلي من فاعل إلى مراقب
من المفترض أن مسؤولية النظافة تقع على عاتق المجالس المحلية، والتي يجب أن تمتلك الأدوات والموارد اللازمة لتنفيذ مهامها. إلا أن التغيرات في الهياكل الإدارية، وإعادة توزيع الأدوار، خلقت وضعاً تُناط فيه مسؤولية التشغيل لجهات أخرى، إما شركات حكومية وحتى شركات خاصة، بينما يتحمل مجلس المدينة والأهالي العواقب السلبية.
ونتيجة لغياب دور دائرة النظافة التي سحبت التكليف من المجلس المحلي، اضطر المجلس للجوء مرة أخرى إلى المجتمع الأهلي للتعامل مع أزمة القمامة، والذي رغم تأمينه المحروقات المطلوبة من المحافظة للقيام بعملها، إلا أن استجابة المحافظة كانت محدودة وليست على قدر الأزمة.
وبالتالي وجد المجلس نفسه في موقف الدفاع، مطالباً بحلول لمشكلة لا يمتلك لوحده سلطة للتأثير فيها، بعد أن تحول إلى مجرد «مراقب». بينما يتحمل الأهالي، وهم الأكثر تضرراً من تراكم النفايات في حاراتهم وشوارعهم، عبء المطالبة بالحل دون أن يجدوا آذاناً مصغية أو استجابة حقيقية.
إلى متى؟
في المحصلة تنذر أزمة النفايات المتراكمة بكارثة صحية وبيئية في عموم الغوطة الشرقية، وفي جرمانا خصوصاً نتيجة الكثافة السكانية. ولا بد من «خطة» بديلة تعيد للمجلس المبادرة وتوسع من صلاحياته، وتحول دوره من مراقب سلبي إلى فاعل في تقديم وتنفيذ الحلول.
فاستنزاف طاقة المتطوعين والأهالي لا تغدو كونها حلولاً مؤقتة لا تُغني عن إصلاح هيكلي، يحتاج إلى دعم مالي ولوجستي من المحافظة.
فعودة المجلس المحلي إلى المشهد عبر تكليف لجان من الأهالي لمراقبة وتنظيم عملية رمي القمامة إيجابية، ولكنها لن تحل المشكلة من دون صلاحيات تشغيلية ومالية أوسع تشمل تغييراً جذرياً للمنظومة، يتم عبرها تفعيل الرقابة الشعبية.
فرغم إثبات المجتمع المحلي قدرته على التضامن، إلا أن تحميله أعباء من اختصاص الدولة يثقل كاهله ويفقده الثقة بعمل المؤسسات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1237